الثلاثاء 20 مايو 2025 م - 22 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

أهمية الوعي الوطني فـي بيئة أمنية دولية شديدة التعقيد والتقلبات

أهمية الوعي الوطني فـي بيئة أمنية دولية شديدة التعقيد والتقلبات
الأحد - 18 مايو 2025 12:31 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20

لا شكَّ أنَّ لكُلِّ مرحلة من المراحل الَّتي تمرُّ بها الأوطان وعيًا يتناسَبُ وتلك المرحلة الوطنيَّة، وعيًا شاملًا بكُلِّ ما يحيط بتلك المرحلة الوطنيَّة من شؤون داخليَّة وخارجيَّة، من جوانب سياسيَّة واقتصاديَّة وأمنيَّة أو غير ذلك، وعيًا يبدأ من الأعلى، أقصدُ من رأس الهرم السِّياسي نزولًا إلى أصغر فردٍ من أفراد المُجتمع.

وعِندَما نتحدث عن الوعي فنحن نقصدُ تلك الحالة من اليقظة الذهنيَّة للمواطن، سواء كان ذلك المواطن في موقع القرار والمسؤوليَّة أو فردًا عاديًّا، كما نقصدُ بالوعي تلك المعرفة والإدراك اللَّذيْنِ يَجِبُ أن يبديَهما أو يظهرهَما تجاه ما يحيط به من متغيِّرات وتحوُّلات ومثيرات مختلفة، إنَّه امتلاك المعرفة والسُّلوك النَّاتج عن ردود الأفعال تجاه المحيط وقضاياه والمخاطر القائمة والمحتملة الَّتي يُمكِن أن يمرَّ بها الوطن في ظلِّ بيئة دوليَّة أمنيَّة مليئة بالتَّعقيدات والتَّدخُّلات والفَوضى.

وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ أهميَّة الوعي تختلف باختلاف القضايا والمخاطر الَّتي تحيط بالفرد والمُجتمع، بالحاكم والمحكوم، وترتفع تلك الأهميَّة في حال صادفَ ذلك المحيط الوطني بيئة إقليميَّة مُلتهبة، مُتعدِّدة الملفات السَّاخنة والتَّهديدات الخطيرة، كما هو حال البيئة الوطنيَّة العُمانيَّة.

وإن كان من بَيْنِ جميع أفراد المُجتمع مَن يَجِبُ أن يبقَى مستيقظًا في وطنِه أكثر من أيِّ جهاز أمني واستخباراتي فَهُم أصحاب الأقلام والمثقَّفون، هم الأُدباء والكتَّاب والإعلاميُّون والصحفيُّون.. باختصار، مَن يحمل القلم ومسؤوليَّة الكلمة، فهذه الشَّريحة تستطيع أن تهدمَ وطنًا أو تحفظَه وتحميَه، تستطيع أن تهدمَ أُمَّة أو ترفعَ مقدارها ومكانتَها، ثمَّ يأتي بعد ذلك أجهزة الوطن الأمنيَّة والاستخباراتيَّة، فهي بعد الله ـ عزَّ وجلَّ ـ الحصن والقلعة الحامية لمقدَّرات الوطن وثرواته وأمْنِه.

وقَبل هذا وذاك لا شكَّ أنَّ وعي الحاكم ووليِّ الأمْر بما يحيط بوطنِه وشَعبِه يقع على رأس هرم تراتبيَّة ذلك الوعي، فهو أيّ الحاكم. وباختصار شديد، مَن يملك الخريطة الذهنيَّة لذلك الوعي، يملك الريموت كنترول الَّذي يُمكِن من خلاله توجيه سفينة الوطن إلى شواطئ الأمان أو للاصطدام بها بصخور الخوف والفَوضى، وإن كان من أسلحة يُمكِن لها أن تُسهمَ في مساندة ذلك القائد في معركة المحافظة على وطنِه فهي أجهزته الوطنيَّة الأدبيَّة والثَّقافيَّة والعلميَّة، ثمَّ أجهزته الأمنيَّة والاستخباراتيَّة، فهما الرَّادار الَّذي ينظر به الحاكم إلى حاضر ومستقبَل وطنِه، وبضعفهما أو تهميشهما أو بإضعاف أحَدهما أو تهميشه لا شكَّ سيختلُّ ميزان الأمن والاستقرار ويضعف الوعي؛ لأنَّهما الجناحان اللَّذان يطير بهما الوطن، وبهما ينظر الحاكم العادل الحكيم إلى وطنِه.

وبمجرَّد ذِكر أهميَّة وعي القائد والحاكم يأتي وعي الحكومة والقيادات في طريق تعزيز وتمكين ذلك الوعي، فكُلَّما تمَّ اختيار القيادات المناسبة في تلك الأوطان نتَج عَنْها قرارات صحيحة وسليمة تتناسب والمرحلة الوطنيَّة، أمَّا وجود القيادات غير المناسبة أو الَّتي تمَّ اختيارها وفق معايير غير علميَّة أو مهنيَّة، فإنَّه ـ بلا شكٍّ ـ ستكُونُ النَّتائج وخيمة وكارثيَّة، فلا نتيجة مباشرة لقيادات لا يهمُّها سوى مصالحها الشخصيَّة سوى تدمير الأوطان ونهبِ ثرواتها ومقدَّرات أبنائها. ولعلَّ التَّاريخ يُطالعنا بأمثلة عديدة ومختلفة لا تحتاج لكثيرٍ من عناء التَّمعُّن والوعي والمطالعة في النَّتائج الكارثيَّة الَّتي حلَّتْ بتلك الأوطان نتيجة وجود القيادات غير المناسبة.

وقَدْ قدَّمنا وعي القيادات السِّياسيَّة والحكومة على وعي المواطن؛ لأنَّنا ندرك تمام الإدراك ونعي أنَّ القيادة السِّياسيَّة والحكومة هي مَن يملك التَّغيير من الأعلى والتَّأثير في القاع، هي مَن يملك القرارات الَّتي تؤثِّر في السُّلوك الوطني بمختلف اتِّجاهاته ومشاربه وعلى رأسها الاستقرار والأمن، وهي مَن يصنع المحيط السَّاخط الممتعض أو البيئة القائمة على الأمن والاستقرار والأُلفة الوطنيَّة.

إنَّ الحكومة الَّتي لا تستطيع التَّعاطي بحذَرٍ وحكمة واعية مع ما يحيط بالشَّعب خصوصًا، وبسكَّان الدَّولة عمومًا هي حكومة جاهلة بتراتبيَّات السِّياسة وأولويَّات القيادة، وهذا الجهل ليس إلَّا نتيجة لانفصال الوعي الشَّامل عن الضَّرورات والأولويَّات في القيادة والسِّياسة، ضعف في البصيرة تجاه التَّهديدات والمخاطر الَّتي يَجِبُ أن تتعاملَ معها الحكومة والقيادة السِّياسيَّة. وعِندَما نقول إنَّ السِّياسة الدَّاخليَّة أهمُّ بكثير من السِّياسة الخارجيَّة، وإنَّ التَّقارب مع المواطن أهمُّ من التَّقارب مع أعظم دوَل العالَم وقياداتها، فإنَّ ذلك يأتي وينبُع من قاعدة أنَّ المواطن هو صمام الأمان لوطنِه، هو القادر على المحافظة على ثروات ومقدَّرات وطنِه أو خلاف ذلك.

ولعلَّ أحداث التَّاريخ أصدقُ دليلٍ على أنَّ المواطن هو الجهاز الأمني الحقيقي لوطنِه وهو خلاف ذلك، فليس لأيِّ حكومة أو قوَّة أو سُلطة في العالَم قادرة على الوقوف في مواجهة ثورة المُجتمعات السَّاخطة الممتعضة، أو الشُّعوب الجاهلة غير المدركة للمخاطر الَّتي تحيط بها، ولذلك قُلنا سلفًا وأكَّدنا على ضرورة التَّقارب بَيْنَ الحكومة والشَّعب، بَيْنَ الحكام والمحكومين.

أخيرًا، يأتي وعي المواطن وقَدْ تركناه إلى نهاية المطاف ليس للتَّقليل من أهميَّته أو لكونه الأخير في سياقات الوعي الوطني، بل على العكس من ذلك.. فوعيُ المواطن وفَهْمُه ويقظتُه غاية في الأهميَّة الوطنيَّة، بل له من الأهميَّة ما يوازي وعيَ الحاكم والقائد في وطنِه. فالمواطن ـ كما سلَفَ أشرنا ـ هو صمام الأمان لوطنِه، فهو جهاز الأمن الحقيقي، هو الدِّرع الَّتي تَحُولُ دُونَ الاختراقات الخارجيَّة للدَّاخل؛ لذا يَجِبُ على المواطن أن يعيَ خطر المتغيِّرات والتَّحوُّلات الَّتي تؤثِّر في محيطه الوطني، تؤثِّر في حركة التَّنمية ونهضة وطنِه.

يَجِبُ على المواطن أن يعيَ الظُّروف والتَّحدِّيات الَّتي تُحيط بالحكومة الَّتي تُدير شؤون حياته، سواء كانتْ تلك التَّحدِّيات ماديَّة أو غير ذلك، يُضاف إلى ذلك أهميَّة وعْيِه بالمخاطر الأمنيَّة الَّتي يُمكِن أن تخترقَ أمْنَ وطنِه، الأمْر الَّذي يُمكِن أن يؤثِّرَ على استقرار ذلك الوطن وسَكِينتِه. ودائمًا ما نقول إنَّ أهميَّة الوعي الوطني يَجِبُ أن ترتفعَ بارتفاع المخاطر، وتقلّ تلك التَّهديدات بالحرص على وحدة الوطن وتلاحم أبنائه.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @