الأحد 01 يونيو 2025 م - 5 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

نبض المجتمع : ميشلان والسياحة العُمانية

نبض المجتمع : ميشلان والسياحة العُمانية
الأحد - 18 مايو 2025 12:28 م

د. خصيب بن عبدالله القريني

20


قَبل فترة قصيرة كنتُ أشاهدُ فيديو عن قصَّة رجُل الأعمال إدوارد ميشلان صاحب ومؤسِّس الإطارات العالَميَّة المعروفة، والفيديو يركِّز فقط على نقطة معيَّنة في مَسيرة رجُل الأعمال والمتمحورة حَوْلَ كيفيَّة قدرته على التَّفكير خارج الصُّندوق. فعِندَما رأى ميشلان أنَّ مَن يشتري إطاراته لا يَعُودُ له إلَّا بعد خمس سنوات أو أكثر، عمل على البحث عن الأسباب وراء ذلك؛ لأنَّ الوضع بهذه الطَّريقة سيعجِّل بنهاية مشروعه، البديهي والمتعارف عَلَيْه أنَّه سيَقُومُ بتقديم عروض وأفكار تتمحور كُلُّها في مجال الإطارات، لكنَّ الفكرة المختلفة هنا وعِندَما عرف السَّبب وهو أنَّ غالبيَّة مستخدمي السيَّارات لا يذهبون لمسافات بعيدة عن مقرِّ سكنهم، هنا خطرتْ له الفكرة الَّتي غيَّرت مفهوم صناعة الإطارات، بل وغيَّرت مفهومًا آخر ساعد في زيادة مبيعات مجالات أخرى، كيف حدَث ذلك؟ كان التَّخوُّف الرَّئيس عِندَ أصحاب السيَّارات في رغبتهم للتنقُّل لمسافات بعيدة والذَّهاب إلى مناطق جديدة عدم معرفتهم في ذلك الوقت بالإمكانات الموجودة على الطَّريق الَّذي سيسلكونه، بمعنى ما هي الخدمات الَّتي ستكُونُ موجودةً كمحطَّات البنزين والمطاعم والمقاهي وورش تصليح السيَّارات إذا تعطلت؟ وأهمُّ من ذلك لاحقًا مستوى هذه الخدمات.. عِندَها قرَّر ميشلان أن يضعَ دليلًا للسَّفر يشتمل على كُلِّ هذه الخدمات، بل ويضع تصنيفًا لها وفق معايير مُحدَّدة، ولذلك تجد في كثير من المطاعم أو النُّزل بأنَّها حاصلة على نجمة أو نجمتَيْنِ أو ثلاث نجمات من ميشلان؛ وبالتَّالي تُعَبِّر هذه النَّجمات عن مستوى الخدمة المقدَّمة، كُلُّ هذا ليس مرتبطًا ـ كما نلاحظ ـ بموضوع الإطارات بشكلٍ مباشر، ولكن وجود هذا التَّصنيف ووجود هذه المعلومات والتَّسهيلات عجَّلتْ برغبة النَّاس في السَّفر وقطْع مسافات بعيدة رغبة في اكتشاف العالَم طالَما كانتِ الجوانب اللوجستيَّة متوافرة. من هنا أصبح استعمال الإطارات ضرورة ملحَّة، وبالتَّالي تسارَع الاستهلاك وتزايدتْ مبيعات الإطارات لدَى ميشلان ممَّا ساعد كُلُّ ذلك على تطوير العمل في المصنع لسنوات طويلة، ممَّا جعلَه علامة مسجَّلة في تاريخ الإطارات، والسَّبب فكرة خارج الصُّندوق كما نقول دائمًا بعيدة كُلَّ البُعد عن الموضوع الأساس الَّذي كان مفترضًا أن يركِّزَ عَلَيْه. والأفكار الإبداعيَّة واقعيًّا هي مَن يَقُودُ دفَّة النَّجاح في كُلِّ مجال من مجالات الحياة، وخصوصًا في المجال السِّياحي، وبما أنَّ ميشلان حاولَ أن يقتنصَ الفكرة لتطويرِ مصنعه بتشجيع السَّفر ممَّا ساعدَه على تحقيق فكرته، وبما أنَّنا دولة يَسُودُها المناخ الحار والسَّائح في الأغلب يبحث عن طقس ملائم فلا بُدَّ من إيجاد أفكار تجعل السَّائح يغضُّ النَّظر عن موضوع الطَّقس ويركِّز على جوانب أخرى ينجذب إِلَيْها، من ضِمن الأفكار الَّتي أرَى أنَّنا ممكن أن نستفيدَ مِنْها في هذا المجال موضوع المنجزات العُمانيَّة الَّتي سجِّلتْ في منظَّمة اليونسكو، حيثُ ـ كما هو معلوم ـ هنالك شخصيَّات عُمانيَّة مسجَّلة في سجلِّ هذه المنظَّمة وآثار تاريخيَّة وقلاع وأفلاج وكتُب وغيرها من الجوانب الماديَّة والمعنويَّة. لماذا لا يتمُّ جمعها في متحف خاصٍّ للتَّعريف بها وبأُسلوب عصري يروّج له على مستوى العالَم بحيثُ يكُونُ أيقونةً حاله حال أيِّ مَعْلم تاريخي وآثري مميَّز. وهنا أتحدَّث عن فكرة جديدة وطريقة عرض وترويج حديثة، فسيقول الكثير إنَّ هذا مجرَّد متحف، الوضع يَجِبُ أن يكُونَ مختلفًا؛ لأنَّنا عِندَما نزور دَولة معيَّنة لا يُمكِننا أن نزورَ كُلَّ شيء. فقط نركِّز على الجوانب المختلفة أو المميَّزة، بمعنى أن يشاهدَ السَّائح متحفًا يبرز أهمَّ ما هو موجود في الحضارة العُمانيَّة، وهذا هو الفارق بَيْنَه وبَيْنَ بقيَّة المتاحف أو المعالِم الأخرى، وليس ببعيد عن الأفكار خارج الصُّندوق من الجهد الَّذي تبذله دار صناعة العطور العُمانيَّة (أمواج) في أن تجعلَ من نَفْسِها اسْمَا عالَميًّا في سماء العطور وانعكاس ذلك على شغف السَّائح في زيارة مصنع الشَّركة في التَّرويج للسِّياحة العُمانيَّة، فالسَّائح بفكره الحالي يتأثر شديد التَّأثُّر بما تبثُّه وسائط التَّواصُل الاجتماعي، وبالتَّالي عِندَما يقرِّر أن يزورَ بلدًا معيَّنًا يضع في ذهنه فكرة التَّميُّز والاختلاف، فكثير من دوَل العالَم تتشابه فيما تُقدِّمه للسَّائح، والَّذي سينجح في جذب السَّائح مستقبلًا هو مَن يتميَّز في تقديم ثقافته وتاريخه بأُسلوب يحاكي رغبة وشغف السَّائح. أتذكَّر زيارتي لقلعة دراكولا في رومانيا رغم حرارة الطَّقس صيفًا، ولكنَّ الرَّغبةَ في الوصول لهذا المَعْلم المميَّز هو مَن جذبَني في الأساس لزيارة هذه الدَّولة وهذا هو مربط الفرس في التَّفكير خارج الصُّندوق.

د. خصيب بن عبدالله القريني

[email protected]