الثلاثاء 20 مايو 2025 م - 22 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

المرأة فـي رحلة التمكين .. من الظل إلى صدارة المشهد

المرأة فـي رحلة التمكين .. من الظل إلى صدارة المشهد
الأحد - 18 مايو 2025 12:25 م

نبيلة رجب

10


منذُ فجر التَّاريخ، والمرأة بصمتها لا تخطئها العَيْن. هي شريان الحياة الَّذي يُغذِّي المُجتمعات. ورغم أنَّها كثيرًا ما عملتْ بِصَمْتٍ ودُونَ أضواء، إلَّا أنَّها استطاعتْ عَبْرَ رحلة الإنسانيَّة الطَّويلة أن تثبتَ حضورها. تخطَّتِ التَّحدِّيات الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة، وانتقلتْ من أدوار هامشيَّة إلى صدارة المشهد، حيثُ باتَتْ شريكًا فاعلًا في قيادة التَّحوُّل والتَّغيير.

عرفتِ الحضارات القديمة قِيمة المرأة، ورأتها رمزًا للوجود، لكن مع ترسُّخ النُّظُم الذكوريَّة، تقلَّص حضورها. ومع ذلك، برزتْ شخصيَّات نسائيَّة استثنائيَّة مِثل الملكة حتشبسوت وكليوباترا، اللَّتَيْنِ أثْبَتَتا من خلال إنجازاتهما السِّياسيَّة والتِّجاريَّة أنَّ الطُّموحَ لا يعرف قيدًا.

وفي العصور الوسطى، لم تغبِ المرأة عن ساحات التَّأثير؛ فاطمة الفهريَّة أسَّستْ جامعة القرويِّين، أقْدَم جامعة في العالَم، وولَّادة بنت المستكفي حوَّلتْ صالونها الأدبي إلى منارة للفكر والتَّجديد. كانتْ هذه الشَّخصيَّات دليلًا على أنَّ الإبداع لا يعترف بالحواجز.

مع القرنَيْنِ التَّاسع عشر والعشرين، تعالتِ الأصوات المُطالِبة بحقوق المرأة. تحقَّق الكثير، من بَيْنِها حقُّ التَّصويت في الولايات المُتَّحدة عام 1920، لكنَّ التَّحدِّيات بَقِيَتْ قائمة، كفجوة الأُجور، والعقبات الثَّقافيَّة الَّتي لا تزال تحدُّ من وصول النِّساء إلى مواقع القرار، حتَّى في مُجتمعات متقدِّمة.

وفي العالَم العربي، حملتِ العقود الأخيرة قفزات نَوْعيَّة. ففي السُّعوديَّة، أحدثتْ «رؤية 2030» تحوُّلًا كبيرًا، وفي الإمارات، أصبحتِ المرأة جزءًا من قلبِ صنع القرار الوطني. أمَّا المهندسة العراقيَّة الرَّاحلة زها حديد، فكانتْ برهانًا عالَميًّا على أنَّ الإبداع لا جنسيَّة له ولا نَوْع. وقفتُ يومًا مبهورةً أمام تصميمها لمركز حيدر علييف في باكو، وشعرتُ أنَّ الفنَّ حين تُتقنُه امرأة، يُصبح لُغة تتحدث عن المستقبل.

كما استطاعتِ المرأة العربيَّة أن تطوِّعَ التكنولوجيا لصالحِها، فدخلتِ الأسواق بجرأة، وأسَّستِ المشاريع، وسدَّتْ فجوات النَّوع الاجتماعي في مجالات التقنيَّة والهندسة، وتوازنتْ بَيْنَ العمل والأُسرة كما لم يحدُثْ من قَبل.

وفي سلطنة عُمان، تشكِّل المرأة حجر الزَّاوية في البناء الوطني، ليس اليوم فحسب، بل منذُ بدايات النَّهضة. فقَدْ فتحت الدَّولة أمامها مسارات التَّعليم والعمل والمشاركة، حتَّى غدَتِ الوزيرة والسَّفيرة والقائدة التربويَّة والطبيَّة والاقتصاديَّة. وبدعمٍ من القيادة، تُواصِل المرأة العُمانيَّة دَوْرها في بناء وطن شامخ يحتضن كُلَّ مَن يُسهم فيه، رجلًا كان أو امرأة.

وفي الخليج العربي، تتسارع وتيرة التَّمكين المؤسَّسي للمرأة، حيثُ تتبنَّى الحكومات مبادرات استراتيجيَّة تُعزِّز مشاركتها في مختلف القِطاعات. من دعم ريادة الأعمال، إلى تخصيص جوائز وطنيَّة لِتَحفيزِ الكفاءات النسائيَّة، تتشكَّل بيئات داعمة تتيح للمرأة أن تنهضَ بِدَوْرها الكامل في التَّنمية.

وبَيْنَما تَقُودُ بعض الدوَل جهودًا واضحة لدمج النِّساء في مواقع القرار، تتلاقى التَّجارب الخليجيَّة في قناعة واحدة: لا تنمية حقيقيَّة دُونَ شراكة متكافئة بَيْنَ الرَّجُل والمرأة.

ومع هذه الإنجازات، لا تزال تطلُّعات النِّساء تتَّسع. في البحرين، تطمح المرأة إلى تطوير التَّشريعات الأُسريَّة، وتعزيز استقرار أبناء البحرينيَّة المتزوجة من غير بحريني. وفي عُمان، تتواصل الجهود لِتَمكينِ الفتيات في الرِّيف والمراكز البعيدة، لِيشملَ التَّمكين كُلَّ أطراف الوطن. وفي بقيَّة الدوَل العربيَّة، تُناضل النِّساء من أجْلِ بيئة عادلة تليق بأحلامهنَّ.

وفي الختام، فإنَّ حكاية المرأة العربيَّة لا تُختصر في فصول، بل تُروى عَبْرَ أجيال. مَن كانتْ في الظِّل، باتَتْ في الضَّوء. من حُمِّلتْ بالمسؤوليَّات فقط، أصبحتْ تتولَّى القرار. نُحيِّي في هذا المقال كُلَّ امرأة، أُمًّا كانتْ أو عاملةً أو قائدة، ونقول لها: حضوركِ ليس عابرًا، بل ضرورة... وبصمتُكِ ليسَتْ ترفًا، بل ركيزة في بناء الأوطان.

نبيلة رجب

كاتبة من البحرين

[email protected]