مما لا شكَّ فيه أنَّ المؤسَّسات الأهليَّة شريك فاعل مع القِطاع الحكومي في سدِّ احتياجات المُجتمع، فهي توفِّر العديد من الخدمات مثل: المسكن والمأكل والمشرب ودعم التَّعليم والصحَّة وغيرها لأفراد المُجتمع، وتوفير البيئة الملائمة مثل: توفير المظلَّات وتشجير بعض المناطق، وتوفير دُور الرِّعاية بأنواعها مثل: دُور رعاية المسنِّين، دُور رعاية الأيتام، دُور رعاية المعوّقين، أو مشاريع التَّنمية مثل المستشفيات والمدارس والجامعات غير الربحيَّة. ويعرف معهد المعلومات القانونيَّة التَّابع لكُليَّة الحقوق بجامعة كورنيل المنظَّمة غير الربحيَّة بأنَّها: (مجموعة منظَّمة لأغراض أخرى غير تحقيق الربح، والَّتي لا يتمُّ فيها توزيع أي جزء من دخل المؤسَّسة على أعضائها، أو مديريها، أو مسؤوليها). وبطبيعة الحال فإنَّ تلك المنظَّمات معفيَّة من الضَّرائب.
وتعتمد هذه المنظَّمات غير الربحيَّة على مصادر مختلفة من التَّمويل، وتوفير الأموال اللازمة لتنفيذ مشاريعها، مثل التبرُّعات، والهبات، ورسوم اشتراك الأعضاء، ورسوم الاشتراك في أنشطتها، كما تعتمد على إيرادات الاستثمارات الَّتي تقوم بها المنظَّمة غير الربحيَّة، ولعلَّ من أفضل أساليب توفير التَّمويل للمنظَّمات غير الربحيَّة، التَّمويل الذَّاتي أو الدَّاخلي ويقصد بها هي: أموال يُمكِن أن تحصلَ عَلَيْها المنظَّمة دُونَ اللجوء إلى الخارج، فهي أموال ناتجة عن استثمار أموال المنظَّمة جميعًا أو بعضها، سواء كان من رأس مال أو من تراكم مدخراتها، بهدف تحقيق الاستدامة للمؤسَّسة، وتختلف قدرة المنظَّمة غير الربحيَّة في الاعتماد على هذا المصدر. فعلى الجمعيَّة العموميَّة أن تقررَ المجال الَّذي يدعم بإيرادات المؤسَّسة: مثل سد كلفة تشغيل المؤسَّسة أو سد كلفة تنفيذ برامجها، أو سد كلفة التَّوَسُّع في مشاريع المنظَّمة كإنشاء دُور رعاية جديدة تابعة لها.
وهناك أنواع من المنظَّمات غير الربحيَّة من حيثُ طريقة اعتمادها على التَّمويل الذَّاتي نذكر مِنْها:
أوَّلًا: منظَّمات تقدِّم خدمات إنسانيَّة مثل خدمات تعليميَّة، خدمات صحيَّة، خدمات تأهيل معوّقين، رعاية أيتام أو غيرها، وتعتمد في تمويلها على استثمارات أصولها من خلال إنشاء صندوق وقفي يضمُّ ما تملكه المنظَّمة من عقارات ونقود وأسْهُم وغيرها بحيثُ تكُونُ هذه الأموال موقوفة، فهي تستثمر، وينفق ريعها على تشغيل، وبرامج أو توسعة أنشطة المنظَّمة، وغالبًا ما يتمُّ التَّعاقد مع شركات استثمار لإدارة مشاريع هذا الصندوق الوقفي، وتخصص نسبة من أرباح الاستثمارات للشَّركة الَّتي تتكفل بالاستثمار، ولدفع تكاليف تشغيل المؤسَّسة من دفع الإيجارات، ودفع رواتب الموظفين، ورسوم الكهرباء والماء، وصيانة المباني وغيرها، كما تخصص نسبة لتطوير برامج المنظَّمة غير الربحيَّة، ونسبة لخدمة المُجتمع، ومن أشْهَر أمثلة المؤسَّسات غير الربحيَّة، الجامعات غير الربحيَّة في الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، فنجد أنَّ موازنات الصناديق الوقفيَّة التابعة لها تبلغ مليارات الدولارات للعام الدراسي 2023 – 2024 م، فقد بلغت قِيمة الأصول الماليَّة للصناديق الوقفيَّة التَّابعة لجامعة هارفر (51.98)، ولجامعة تكساس (51.98)، ولجامعة بيل (51.98) مليار دولار أميركي، فهي جامعات غير ربحيَّة عريقة اعتمدت على تمويلها على استثمارات أصولها الوقفيَّة، ومن المنظَّمات غير الربحيَّة الَّتي تعتمد على استثمارات أموال مدخراتها مجمع مايو كلينك، حيثُ بدأ العمل بعيادة صغيرة، قدَّمت خدمات طبيَّة إغاثيَّة أثناء إعصار عام 1883 المدمّر، ثمَّ تحولتْ إلى مؤسَّسة غير ربحيَّة، فتحوَّلت من عيادة صغيرة إلى مؤسَّسة طبيَّة ضخمة، فقد توسَّعتْ أنشطتها لتتحولَ إلى مستشفيات علاجيَّة، ومراكز أبحاث طبيَّة، ومؤسَّسات تعليميَّة تدريبة طبيَّة، معتمدة على استثمار ما تملكه من مدَّخرات المؤسَّسة.
ثانيًا: ومن أنواع المنظَّمات غير الربحيَّة الشَّركات الاستثماريَّة غير ربحيَّة: وهي شركات تقوم بنشاط استثماري في قِطاعات مختلفة مثل قِطاع الصِّناعة كصناعة السَّاعات، والملابس، أو محالّ تجاريَّة صغيرة أو القِطاع العقاري أو غيرها، وتنفق هذه الشَّركات غالبيَّة صافي أرباحها على برامج خدمة المُجتمع فالمنظَّمة الأهليَّة تحدِّد طبيعة مشاريع خدمة المُجتمع الَّتي ستدعمها مثل مشاريع دعم المعوّقين، أو المرضى، أو مشاريع الحفاظ على البيئة وغيرها ومن أشْهَر هذه الأمثلة، شركة رولكس لإنتاج السَّاعات، تلك الشَّركة العالَميَّة الَّتي تبيع أفخم أنواع السَّاعات للطبقة الغنيَّة من المُجتمع، ثمَّ تستفيد من أموال بيع السَّاعات على الأغنياء لتقديم مشاريع تخدم جميع أفراد المُجتمع، فهي تخصص (90%) أي بما يعادل (8) مليارات دولا سنويًّا من صافي أرباحها لتنفيذ مبادرات لخدمة المُجتمع، في مجال حماية الأرض والبيئة، في مجال الفنون، وفي مجال الرياضة وغيرها من الخدمات المُجتمعيَّة. ثالثًا: استثمارات بمشاريع تجاريَّة: وهي أن تقومَ المؤسَّسة غير الربحيَّة بإنشاء مشروع تجاري غير ربحي تابع لها كإنشاء مشاغل الخياطة والمطاعم، أو مصانع حرفيَّة، بحيثُ يفتح هذا المشروع فرص عمل للمستفيدين من المؤسَّسة غير الربحيَّة مثل الأرامل والمعوّقين والأيتام، كما يفتح فرصًا لتسويقِ منتجاتهم.
تلك أهم أساليب التَّمويل الذَّاتي للمنظَّمات غير الربحيَّة، وعمومًا فإنَّ لهذه الأساليب أثرها على استدامة تمويل المؤسَّسة، كما أنَّ لها مميزاتها وعيوبها سنذكرها في مقال الأسبوع القادم بعون الله... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
Najwa.janahi@