ليس بعيدًا عن حملات وعمليَّات التَّطفيش ومشاريع التَّهجير والضَّم، ذلك العدوان «الإسرائيلي» الدموي الأخير وقت السحور عِندَ الفجر، وسقوط الأعداد الكبيرة من الشهداء. فكيان الاحتلال يرفض الحديث عن أيّ للوضع المتفجر في القِطاع من حينٍ لآخر ومن قِبل نتنياهو بالذَّات. وتهدف «إسرائيل» في ذلك وبشكلٍ واضح، للقضاء على أيِّ فرصة لإنشاء (دَولة فلسطينيَّة مستقلَّة) وفقَ إجماع العالَم عَبْرَ عنوان (حلِّ الدَّولتين) بل تسعى لتمويتِ هذا الحلِّ ونفيِه وشطبِه نهائيًّا من خلف ظهر الإجماع الدّولي، بالإضافة إلى تحقيق رغبتها في فرض السيطرة الكاملة على الضفَّة الغربيَّة المُحتلَّة، قَبل نيَّتها في «السيطرة على قِطاع غزَّة بأكمله. وفي السياق، وبعد أيَّام من إعلان وزير الحرب في حكومة الاحتلال (يسرائيل كاتس) وتحديدًا يوم الجمعة الـ(21) من آذار/مارس 2025، عن خطط لـضمِّ أراضٍ في غزَّة بشكلٍ دائم، ونقلت صحيفة الواشنطن بوست الأميركيَّة عن مسؤولين «إسرائيليِّين» حاليِّين وسابقين قولهم: «إنّ القادة السياسيِّين والعسكريين في «إسرائيل»، يدرسون خططًا لـحملة بَريَّة جديدة، يُمكِن أن تشملَ احتلالًا عسكريًّا للقِطاع بأكمله، يمتدُّ لأشْهُر أو أكثر». في الحقيقة، إنَّ جذور مخطَّط تهجير الشَّعب الفلسطيني من أرض وطنه التَّاريخي بشكلٍ عامٍّ، والآن من قِطاع غزَّة ومن الضفَّة الغربيَّة هي العامل الأساس في المشروع الاستعماري التَّهويدي الاستيطاني الصهيوني على حساب الأرض والشَّعب الفلسطيني، ابتداء من طروحات مؤسِّس الحركة الصهيونيَّة (ثيودور هرتزل) وفي طروحات الصهيونيَّة الليبراليَّة بزعامة حاييم وايزمان، والصهيونيَّة العماليَّة بزعامة ديفيد بن جوريون، والصهيونيَّة المحافظة بزعامة فلاديمير جابو تنسكي، والصهيونيَّة الدينيَّة، وما نجم عن هذه التيَّارات من تشكيلات صهيونيَّة حزبيَّة، بما فيها الأحزاب العلمانيَّة الصهيونيَّة الَّتي وظَّفتِ الطروحات التلموديَّة والتوراتيَّة في الخرافة الميثولوجيَّة الصهيونيَّة. وهو ما كان قد عَبَّرَ عَنْه بوضوح صارخ (يوسف فايتس) الَّذي كان مسؤولًا كبيرًا في الصندوق الوطني اليهودي، ومن من أقطاب الصهيونيَّة العماليَّة في مذكّراته عام 1940: «الحل الوحيد هو أرض (إسرائيل) الخالية من العرب، لا يوجد مجال هنا للتسوية، يَجِبُ نقلهم جميعًا». ويُورد الكاتب عليان عليان، أبرز المُخطَّطات الَّتي طُرحتْ بعد النَّكبة ونحن نضيف شيئًا عَلَيْها، لتهجير أبناء قِطاع غزَّة إلى سيناء المصريَّة الَّذي طرحه الأميركي «بلاند فورد» مدير عام وكالة الأونروا عام 1953، بدعم من الرَّئيس الأميركي (دوايت أيزنهاور)، وخطط التوطين منذ مطلع الخمسينيَّات وحتَّى مطلع الستينيَّات. وأبرزها وفق ما نسجِّله: مشاريع (الأونروا) للتوطين 1952/1954. مشروع وزير خارجيَّة ايزنهاور (جون فوستر دالاس) 1953/1956. مشاريع جونستون 1955/1961. مشروع ايدن 1955. مشروع أيزنهاور 1957 /1958. مشروع الرَّئيس جون كنيدي عام 1957. مشروع الأمين العام للأُمم المُتَّحدة (داج همرشولد) 195. مشروع الرَّئيس بيل كلينتون عام 2000. يضاف إلى ذلك المشاريع «الإسرائيليَّة» الَّتي طرحت في سياق التَّسوية بعد انطلاقتها في مؤتمر مدريد نهاية العام 1991. وصولًا إلى خطَّة الرَّئيس الحالي دونالد ترامب المُتبدلة عَبْرَ تواتر التصريحات المتباينة من ترامب ذاته. إنَّ كُلَّ تلك المشاريع فشلتْ تاريخيًّا، وستفشل لسببٍ واحد على الأقل لأنَّه: «لا يُمكِن اقتلاع شَعب ما زال نِصفه على أرض وطنه التَّاريخي، ويتوقع أن يتفوقَ ديمغرافيًّا على كيان الاحتلال في سنوات قادمة وليسَتْ ببعيدة». فالتَّحوُّل الديمغرافي وفي جانبٍ مهمٍّ مِنْه يُفشل التَّهجير ويطيح به.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك