الحمد لله الذي جعل الحج للمغفرة دليلًا، وجعله علينا لمن استطاع إليه سبيلًا، وبعد.. فإنّ الحج ركنٌ من أركان الدين وأعمدته الخمسة، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (صحيح البخاري 1/ 11)، وأخرجه مسلم في (الإيمان) رقم (16).
وقد راعى الشارع الحنيف المشقة التي يبذلها المسلم ليكي يؤدي هذه الفريضة، سواء أكانت مشقة بدنية أم مالية، وهذه الأخيرة عوضها الله تعالى بشتى أنواع التعويض المادي والمعنوي، وهنا سؤال يعرض مضمونه بقوله: ما علاقة الحج والعمرة بالرزق؟ نعلم جميعًا أن الرزق هبة من الله تعالى كتبه لعبادة، فقد سخر ما في الكون ليكون من أرزاق البحر كل على قدر كسبه وعمله، فالأرض مسخرة لمن يزرعها من البشر بصرف النظر عن كونه مؤمنًا أو كافرًا، فمن اعتنى بها فحرثها وسقى بذورها وقام على رعايتها جنى ثمار وحصده، فالأرزاق مكفولة للعباد كافرهم ومؤمنهم كل ما أخذ بالأسباب المادية، فلا تمنع عن الكافر فضلًا عن المؤمن، ولكن هناك أسباب أخرى إنها أسباب إيمانية عقدية دينية، لا يعرفها ولا يذوق طعمها ولا يجرب نتاجها أو يعرف حلاوتها إلا من هو مؤمن بربه موحد بالله.
وأهم تلك الأسباب وأعظمها أن يتوكل العبد على ربه على وجه العموم، وخاصة إذا عزم على الحج وقصد السفر وما من حاج يخرج إلى الحج إلا وتوكل على ربه، وهذا يزيد رزقه، حتى يكون الحاج على يقين بأن تعبه ومشقته ابتغاء رضا ربه لن تذهب سدى، وقد جاء أحاديث كثيرة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تفيد ذلك، وكما في حديث عَمْرو بْن الْعَاصِ، قال:(فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟) (رواه مسلم 121)، وأيضًا ما (رواه الترمذي 810)، و(النسائي 2631).. وغيرهما (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ). وهنا لنا وقفات مع هذا الحديث، وفي جملة (فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيد)، الأمر الذي يفيد أن الحجّ والعمرة يزيلان عن الفقير فقره؛ سواءً من صرف مالًا كثيرًا على متطلبات الحج من سفر وتجهيز وغيره، فهذا الحديث يدلُّ دلالة واضحة أنّ الحجّ والعمرة من الأسباب المؤكدة لزيادة الرّزق الحلال والتوسعة فيه على الحاج، والدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث السابق:(فَإِنَّهُما يَنْفِيَانِ الفَقْرَ)، فهو إما حقيقة أنه كان فقيرًا وبقد ما استطاع من مال جمعه فحج بيت ربه، وهنا الفقر إمّا على سبيل الحقيقة، وسوف يحقق له الله تعالى ذلك بالغِنَى الحقيقي من المال الّذي يحصُل بسبب أدائه الحج أو العمرة، فمن لم يفوّت على نفسه مواسم الخير والبركة والطاعة والعبادة ، وخاصة موسم الحجّ خشية الفقر أو لقلة ماله، وحرص كل الحرص على أداء الحجّ، ممتثلًا أمر الله تعالى، ومتّبعًا هدى نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:(خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ) (صحيح مسلم 2/ 975).
محمود عدلي الشريف
[email protected]