الدبلوماسيَّة العُمانيَّة والمبادئ الإنسانيَّة الَّتي ترتكز عَلَيْها سلطنة عُمان والحاجة الدّوليَّة لمِثل هذه الأدوار الَّتي لا يُمكِن توافرها بشكل فجائي، بل عن خبرة تراكميَّة ونهج إنساني حضاري عريق وسمعة دوليَّة موثوقة فيشهد لها الشَّرق والغرب.. وفي الحقيقة هذه العوامل مُجتمعة قد لا تتوافر مُجتمعة إلَّا نادرًا وقد أثبتتِ التَّجارب السِّياسيَّة الدّوليَّة أنَّ سلطنة عُمان تحمل رصيدًا كبيرًا من الثِّقة الدّوليَّة والدبلوماسيَّة المتَّزنة الهادئة وتمتلك فلسفة سياسيَّة فريدة تستقطب كُلَّ القوى الدّوليَّة ومختلف الفرقاء لِتثبتَ هذه التّجربة العُمانيَّة نجاحًا منقطع النَّظير؛ ما شكَّل قاعدة صلبة وتموضعًا مكينًا على الخريطة العالَميَّة.
نَعم.. نحن هنا في سلطنة عُمان ذات التَّاريخ الَّذي ألقَى بظلاله على الحاضر وحضارات عريقة وتراث إنساني مادِّي وثقافي متنوِّع ما زال ماثلًا حتَّى اليوم ونهجًا قويمًا لم تلوِّثْه متغيِّرات الزَّمان لِيقدِّمَ نموذجًا عُمانيًّا فريدًا عُرف بمخزونه الأخلاقي والثَّقافي ونيَّاته الحسنة تجاه الأشقَّاء والأصدقاء والإنسانيَّة عمومًا. لا نريد أن نوغلَ في وصفِ الذَّات بقدر ما نُعبِّر عن حقيقة الدبلوماسيَّة الرَّصينة والقوَّة النَّاعمة الَّتي تُشكِّل رافعةً كبيرة للدَّولة العُمانيَّة والَّتي ترتكز على مبادئ إنسانيَّة تراكمتْ منذُ قرون وتمسَّكتْ بها السَّلطنة لِتنشرَها في أرجاء الإقليم والعالَم متوخِّيةً الخير والسَّلام والمَحبَّة والإخاء بَيْنَ الشُّعوب فعمَّتْ إضاءاتها المعمورة، ولا شكَّ أنَّ سلطنة عُمان هنا صادقة مع نَفْسها وصادقة مع الآخرين، وهذه هي كلمة السِّر في النَّهج السِّياسي العُماني.
نُفاجأ أحيانًا بعناوين خبريَّة تبثُّها الفضائيَّات الدّوليَّة عن جهود دبلوماسيَّة نشطة قادتها السَّلطنة لإطفاء لهيبِ الحرائق والتَّوَتُّرات في مناطق مختلفة، وعِندَما نُحاول تقصِّي الأخبار نجد أنَّ ما سبَق تلك الجهود العُمانيَّة كان فتيل أزمة كادَ ينفجر، وفي لحظةٍ فارقة تحوَّل في سلطنة عُمان من أزمة إلى منحة، ومن تهديد وتصعيد إلى اتِّفاق سلام غنمه الأشقَّاء والأصدقاء بفعل تلك الحكمة العُمانيَّة، وهو ما حدَث مؤخرًا بَيْنَ الأشقَّاء في اليمن والولايات المُتَّحدة على أرض عُمان، فكيف لا نفخر بما تُقدِّمه بلدُنا للعالَم وهي قِبلة السَّلام.
قَدْ نشهدُ في القريب العاجل اتِّفاقًا بَيْنَ واشنطن وطهران في العاصمة العُمانيَّة مسقط، نسأل الله أن يتممَ تلك الجهود ويتَّفقَ الطَّرفانِ المتحاورانِ في محادثات تَقُودُها سلطنة عُمان، ففي العاصمة مسقط حيثُ جرتِ الجولة الرَّابعة من المحادثات النَّوويَّة يوم الأحد الـ(11) من مايو، وقَدْ كانتْ تلك الجولة محاطةً ببعض التَّعقيدات ورفع سقف الخِطاب السِّياسي الَّذي سبَق الاجتماع بالنَّظر إلى الفجوة في المطالب بَيْنَ رفض التَّخصيب كُليًّا المطروح من قِبل الولايات المُتَّحدة وبَيْنَ الثَّبات الإيراني على حقوقه النَّوويَّة وعدم المساومة فيما توصَّلتْ إِلَيْه جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة من قدرات.. لكنَّ الدبلوماسيَّة العُمانيَّة استطاعتِ احتواء المشهد وإيصال الطَّرفَيْنِ إلى نقاط متقاربة على أمل أن تستكملَ الجولة الخامسة في موعدٍ لاحق.
الاتِّفاق النَّووي المأمول سيُحقِّق لإيران نجاحًا كبيرًا بإنهاء العقوبات المفروضة ويُحقِّق أيضًا للإدارة الأميركيَّة نجاحًا يَضْمن مراقبة الوكالة الدّوليَّة للبرنامج النَّووي الإيراني وخفض مستوى التَّخصيب وتحديد رقم مُحدَّد لأجهزة الطَّرد المركزيَّة.. لذا تتَّجه أنظار العالَم إلى سلطنة عُمان وما سوف تُسفر عَنْه المحادثات اللاحقة.
الجهود العُمانيَّة جديرة بالتَّقدير وهي تُواصل مَسيرتها في نزع فتيل التَّوَتُّرات بالمنطقة، حيثُ تُمثِّل سلطنة عُمان كلمة السِّر في السَّلام والوفاق والتَّقريب بَيْنَ الفرقاء وحاجة المُجتمع الدّولي للنَّهج السِّياسي العُماني، ونسأل الله أن تكلَّلَ تلك الجهود العُمانيَّة بالتَّوفيق والنَّجاح دائمًا.
خميس بن عبيد القطيطي