تسليم حركة حماس للجندي الأميركي ـ (الإسرائيلي) عيدان ألكسندر بِدُونِ تنسيق مع الكيان المحتل ستكُونُ له تداعيات كبيرة ومعقَّدة على عدَّة مستويات، مِنْها مكاسب تحصدها المقاوَمة ومخاطر قَدْ يتعرض لها قِطاع غزَّة المُحتلُّ، مِنْها السِّياسي والأمني وحتَّى الشَّعبي. ومن أبرز هذه التَّداعيات المحتملة شعور حكومة الكيان المحتل المتطرِّفة أنَّ هناك تجاوزًا أميركيًّا لسيادتها، خصوصًا أنَّ الجندي يحمل جنسيَّة الكيان. في المقابل قَدْ تستخدم الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة هذا التَّحرك لإبراز دَوْرها المستقل في الملف الفلسطيني، ورُبَّما للضَّغط على الـ(نتنياهو) في ملفات مثل وقف إطلاق النَّار أو المساعدات الإنسانيَّة، كما أنَّ مثل هذا التَّحرك قد يُنظر إِلَيْه داخليًّا لحكومة الكيان المتطرفة، كفشلٍ استخباراتي وسياسي خصوصًا الـ(نتنياهو)، ويُعزِّز الانطباع بأنَّ حلفاء «إسرائيل» (خصوصًا واشنطن) لا يثقون بها وهو ما سيدفع المعارضة في استغلاله لمهاجمة الحكومة المتطرِّفة والتَّشكيك في إدارتها للأزمة في قِطاع غزَّة والمطالبة في هذه الحالة بإسقاط الحكومة. في المقابل تعزيز صورة المقاوَمة الفلسطينيَّة الَّتي اكتسبتها في المرَّات السَّابقة عِندَ تبادل تسليم أسرى الكيان المحتل من أنَّها مقاوَمة تتعامل بطريقة إنسانيَّة وسياسيَّة، وأنَّها قادرة على «التَّفاوض» مع أطراف كبرى مثل واشنطن ممَّا يُسهم في إعادة تموضعها السِّياسي، ممَّا يُتيح لها فتح قنوات مباشرة مع خلق واقع يُجبر المُجتمع الدّولي على التَّعاطي معها كجهةٍ منظَّمة وقادرة على اتِّخاذ قرارات «دبلوماسيَّة»، كممثِّل فاعل على الأرض، مع إعطاء رسالة تظهر المقاوَمة بأنَّها لا تُساوم على بعض الملفات الإنسانيَّة، خصوصًا بعد نجاح المقاوَمة الفلسطينيَّة في تسليم الجندي الأميركي عيدان ألكسندر حيًّا خطوة «إنسانيَّة» ذكيَّة لإظهار وجْهٍ غير قتالي للحركة، بل وجْه آخر لها دبلوماسي وسياسي وإنساني، ما قد ينعكس في صورة أفضل عالَميًّا، خصوصًا في الإعلام الغربي.
أمَّا ردُّ الفِعل الشَّعبي داخل الكيان المحتلّ وما يُمثِّله من ضغوط على الـ(نتنياهو) وحكومته المتطرِّفة الَّتي لا تسعَى إلَّا إلى إشعال الحرب وقتل المَدَنيِّين في الأراضي المُحتلَّة من أجْل البقاء في السُّلطة، فقَدْ يتَّسم ردُّ الفِعل بغضبِ الرَّأي العامِّ لدَى أهالي الأسرَى والمخطوفين؛ لأنَّهم سيشعرون أنَّ هذه الحكومة ليسَتِ الطَّرف الحاسم في استعادة مواطنيها، فتتصاعد معها الضُّغوط الشَّعبيَّة. وفي إطار علاقات الكيان المحتلّ وحكومته والتَّعاطي مع الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة قَدْ تُمثِّل الخطوة إحراجًا لكيان الاحتلال أمام واشنطن، وتخلق تَوَتُّرًا دبلوماسيًّا كما يُشاع حاليًّا من فتور في العلاقة بَيْنَ الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان المحتل خلال زيارة الرَّئيس الأميركي للشَّرق الأوسط حاليًّا، وابتعاد ملف التَّطبيع أو إشراك الـ(نتنياهو) في المفاوضات الَّتي جرتْ خلال اللقاءات الثُّنائيَّة مع قادة الدوَل الَّتي زارها ترامب وأجرى معها بعض الاتِّفاقات وخصوصًا التجاريَّة، وهذا ما يُمكِن المقاوَمة الفلسطينيَّة أن تستغلَّ الموقف لصالحِها، خصوصًا إذا كان هناك ردُّ فعل من حكومة التَّطرُّف يتمثَّل في شنِّ عمليَّات أمنيَّة أو عسكريَّة مفاجئة في غزَّة، أو حتَّى عرقلة جهود الهدنة والمساعدات، إلَّا إذا كانتِ العمليَّة تحمل ذكاءً دبلوماسيًّا، وترافقها ضمانات من الولايات المُتَّحدة أو قنوات أخرى (مثل مصر أو قطر)، ووضعها كجزء من استراتيجيَّة أوسع لإعادة تموضع سياسي للمقاوَمة الفلسطينيَّة لفتحِ مفاوضات غير مباشرة مع أطراف كبرى، فقَدْ تكُونُ خطوةً جريئة وفعَّالة على المدَى الطَّويل.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن »