الجمعة 16 مايو 2025 م - 18 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

لماذا تستهدف الصين بريطانيا؟

لماذا تستهدف الصين بريطانيا؟
الأربعاء - 14 مايو 2025 12:42 م

د.أحمد مصطفى أحمد

20

ردَّتِ الصِّين بعُنفٍ على اتِّفاق التِّجارة الجزئي بَيْنَ بريطانيا والولايات المُتَّحدة مُهدَّدة باتِّخاذ إجراءات انتقاميَّة بعد موافقة لندن على شروط «أمنيَّة» في الاتِّفاقيَّة تضرُّ بمصالح الصِّين الاقتصاديَّة. يُذكر أنَّ ما توصَّلتْ إِلَيْه لندن وواشنطن ليس اتِّفاقيَّة تجارة حُرَّة شاملة، وإنَّما اتِّفاقيَّات تتعلق بقِطاعات مُعيَّنة وتحديدًا السيَّارات والصُّلب الَّتي فرضتْ عَلَيْها إدارة الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب رسوم تعريفة جمركيَّة بنسبة خمسة وعشرين في المئة في شهرَي فبراير ومارس الماضيَيْنِ، قَبل إعلانها عن مزيدٍ من رسوم التَّعريفة الجمركيَّة (التَّعريفة المتبادلة) في أبريل. وتظلُّ الصَّادرات البريطانيَّة لأميركا خاضعة لنسبة تعريفة جمركيَّة عِندَ عشرة في المئة. جاء الاتِّفاق الجزئي كأوَّل اتِّفاقيَّة بَيْنَ واشنطن وأيِّ شريك تجاري في العالَم منذُ علَّق ترامب تنفيذ فرض التَّعريفة الجمركيَّة المتبادلة العالية جدًّا على كُلِّ شركاء الولايات المُتَّحدة تقريبًا لِمدَّة تسعين يومًا. وواضح أنَّ إدارة ترامب استخدمتْ سلاح العقوبات بفرض مزيدٍ من التَّعريفة الجمركيَّة كأداة ضغط للتَّوَصُّل إلى اتِّفاقيَّات تجاريَّة مع الشُّركاء تعدل الميزان التِّجاري لصالحِ أميركا.

أمَّا مسارعة بريطانيا للتَّوصُّل لأيِّ اتِّفاق، وبعيدًا عن التَّصوُّر لِمَا تعدُّه لندن «علاقة خاصَّة» مع واشنطن لم تَعُدْ كما كانتِ، تحتاج حكومة رئيس الوزراء كيير ستارمر لأيِّ إنجاز يُمثِّل دعمًا لها في ظلِّ مشاكل داخليَّة تواجهها تتعلق بسياستها الاقتصاديَّة. في الوقت نَفْسه احتاجتْ إدارة ترامب إلى الإعلان عن أيِّ اتِّفاق بعد مرور نَحْوِ شهرٍ من هدنة التَّعريفة الجمركيَّة لتشجيعِ شركاء آخرين على توقيع اتِّفاقيَّات، إذ تُفِيدُ تصريحات الأميركيِّين بأنَّهم يجرون مفاوضات مع أكثر من عشرة شركاء بالفعل. وبِغَضِّ النَّظر عن تعليق بعض الاقتصاديِّين، ومِنْهم الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيجليتس، بأنَّ الاتِّفاق الجزئي البريطاني ـ الأميركي «لا يساوي قِيمة الورق الَّذي كُتب عَلَيْه» إلَّا أنَّه مثَّل دفعةً سياسيَّة مُهمَّة لكُلٍّ من ستارمر وترامب. لكن إذا كان الاتِّفاق التِّجاري الجزئي هو بَيْنَ بريطانيا وأميركا، ويتعلق بتخفيف واشنطن التَّعريفة الجمركيَّة على صادرات السيَّارات والصُّلب البريطانيَّة إلى أميركا، فما الَّذي يزعج الصِّين؟

تضمَّن الاتِّفاق تنازلات بريطانيَّة مقابل تخفيف إدارة ترامب للتَّعريفة الجمركيَّة على صادرات السيَّارات والصُّلب. وتعرَّضتْ حكومة ستارمر بالفعل لانتقادات من المعارضة السِّياسيَّة في بريطانيا لموافقتِها على تلك التَّنازلات. لكنَّ الأهمَّ أنَّ هناك فقرات في الاتِّفاق تتجاوز بريطانيا وأميركا إلى «طرف ثالث»، وهي تلزم بريطانيا بألَّا تكُونَ في مُكوِّنات صادراتها لأميركا ما يُهدِّد «الأمن القومي» الأميركي. وباعتراف المسؤولين الأميركيِّين، كما نشرتْ صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانيَّة فإنَّ تلك الفقرات تستهدف حظر بريطانيا من الاعتماد على سلاسل توريد وإمداد من الصِّين. وهذا ما يراه المسؤولون في بكين «استهدافًا للصِّين» أكثر مِنْه اتِّفاقًا ثنائيًّا بَيْنَ لندن وواشنطن. ويخشَى الصِّينيون من أن يكُونَ ذلك الاتِّفاق الأوَّل مع بريطانيا سابقة تَبْني عَلَيْها الولايات المُتَّحدة لِتَضمينِ تلك الشُّروط «الأمنيَّة» في اتِّفاقيَّاتها مع شركائها الآخرين بهدف «عزْل الصِّين وحصارها». ولا يُخفي الأميركيون ذلك، إذ يصرِّحون بأنَّ هدف كُلِّ هذه الحرب التِّجاريَّة هو الصِّين بالأساس ومحاولة التَّصدِّي لصعودِها الاقتصادي والتِّجاري العالَمي. لذا شنَّتْ بكين هجومًا على بريطانيا مُهدِّدةً بإجراءات عقابيَّة، هذا في الوقت الَّذي تحاول فيه حكومة ستارمر تحسين العلاقات مع الصِّين لدفعِ الاقتصاد البريطاني نَحْوَ النُّمو.

لَطالَما مثَّلتْ بريطانيا «بالونة الاختبار» الأهمَّ لسياسات واشنطن في العالَم وزادتْ وتيرة ذلك بعد خروج بريطانيا من أوروبا (بريكست) عام 2020. ولعلَّ موافقةَ بريطانيا على تلك البنود في اتِّفاقها الجزئي مع الولايات المُتَّحدة لا يزعج الصِّين فقط. إذًا تسعَى الحكومة البريطانيَّة للتَّفاوض على تعديل اتِّفاق بريكست مع الاتِّحاد الأوروبي لِتَحسينِ التِّجارة والاستثمار بَيْنَ لندن وبروكسل. وتلك التَّنازلات الَّتي وافقتْ عَلَيْها بريطانيا في اتِّفاقها مع واشنطن ستعقد مفاوضات حكومة ستارمر مع الأوروبيِّين، خصوصًا فيما يتعلق بالشُّروط الصحيَّة والسَّلامة الغذائيَّة المُتعلِّقة بمنتجات زراعيَّة وغذائيَّة أميركيَّة لا تُطابق المواصفات الأوروبيَّة ووافقتْ بريطانيا على استيرادها من عَبْرَ الأطلسي. لكن يبقى الأهمُّ هو تلك القيود الَّتي تريد الولايات المُتَّحدة تضمينَها في أيِّ اتِّفاق تجاري وتشترط أن يُقلِّصَ الشَّريك التِّجاري الثَّاني تعاملاته مع الصِّين. ولدَى بكِّين منطق بسيط وعقلاني وهو أنَّ أيَّ اتِّفاق ثنائي بَيْنَ شريكَيْنِ تجاريَّيْنِ يتعيَّن أن يتعلقَ بهما ولا يستهدف أيَّ طرفٍ ثالث.

لكن تلك هي طريقة الرَّئيس ترامب وفريقه في الإدارة الجديدة: «مَن يريد أن يتعاملَ معنا فليتعامل بشروطنا ولا يتعامل مع غيرنا». وتأتي الحمْلة الصِّينيَّة على بريطانيا بهدف الردِّ على ما تَعدُّه «صلفًا وعنجهيَّة» أميركيَّة في فرض تعامل الآخرين مع الصِّين كشرطٍ للعلاقة مع واشنطن. وتُصبح بريطانيا «حقل الاختبار» أو بَيْنَ فكَّيْ كمَّاشة الصِّراع التِّجاري والاقتصادي الصِّيني ـ الأميركي. والأرجح أنَّها لا تكسب في كُلِّ الحالات، بالضَّبط كما تزعَّمتْ أو حاولتْ بريطانيا ـ سياسيًّا وخطابيًّا على الأقل ـ المزايدة في دعم أوكرانيا ومعاداة روسيا منذُ اندلاع الحرب بَيْنَهما قَبل ثلاثة أعوام. ولم تستفدْ من ذلك في ظلِّ إدارة الرَّئيس الأميركي السَّابق جو بايدن ولا يتوقَّع أن تستفيدَ أكثر في ظلِّ إدارة الرَّئيس ترامب كذلك.

د.أحمد مصطفى أحمد

كاتب صحفي مصري

[email protected]