السبت 17 مايو 2025 م - 19 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : خطى ثابتة نحو تحول اقتصادي شامل

الثلاثاء - 13 مايو 2025 06:35 م

رأي الوطن

310

تُمثِّل الاتفاقيَّات الَّتي أُبرمتْ خلال فعاليَّات (أسبوع عُمان للاستدامة) ومَعرِض ومؤتمر البترول والطَّاقة لعام 2025 نقطة تحوُّل فارقة في المشهد الاقتصادي العُماني. فهي ليسَتْ مجرَّد وثائق رسميَّة، وإنَّما خريطة طريق حقيقيَّة ترسم ملامح مستقبل واعد.. فعِندَما توقِّع شركة وطنيَّة كُبرى مِثل (أوكيو) على (13) اتفاقيَّة استراتيجيَّة بقِيمة تتجاوز (769) مليون ريال عُماني، فنحن لا نتحدَّث هنا عن مشاريع استثماريَّة فحسب، بل عن تحوُّل فكري واقتصادي يرمي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد من الأساس، وهذا التَّحوُّل يَقُومُ على تقنيَّات الطَّاقة المُتجدِّدة، والتَّحوُّل نَحْوَ مصادر بديلة تَضْمن ديمومة الإنتاج واستدامة الموارد. ومع إشراك أكثر من (50) دَولةً و(350) شركةً و(2400) مندوب، يتحوَّل هذا الحدَث إلى منصَّة دوليَّة تضع عُمان في قلبِ الحوار العالَمي حَوْلَ الطَّاقة والاستدامة، والأهمُّ من ذلك أنَّ هذه الاتفاقيَّات لا تُترجم إلى أرقام فقط، بل إلى فرص حقيقيَّة على الأرض تُمهِّد الطَّريق لنُموٍّ اقتصادي أكثر تنوُّعًا ومرونة، وتؤكِّد أنَّ سلطنة عُمان بدأتْ تتحرَّك بخُطًى مدروسة بعيدًا عن الاقتصاد الرّيعي.

وهنا لا بُدَّ من التَّأكيد على أنَّ النُّمو الاقتصادي لا يأتي من فراغ، بل يَجِبُ وجود بيئة تحتضن الأفكار وتُحوِّلها إلى واقع. وما رأيناه في مَعرِض ومؤتمر عُمان للبترول والطَّاقة هذا العام، هو انعكاس صادق لهذه المعادلة، فعِندَما تدشِّن السَّلطنة (مركز عُمان للحياد الصِّفري)، فإنَّها تضع يَدَها على واحدٍ من أكثر الملفَّات حساسيَّة في عالَم اليوم وهو المناخ والانبعاثات الكربونيَّة، حيثُ يُنظر إلى المركز على أنَّه كيان ديناميكي يعمل على متابعة المشروعات الَّتي تدفع بعُمان نَحْوَ هدف الحياد الصِّفري بحلول 2050، وهو ما يترجم فعليًّا إلى فرص استثماريَّة جديدة، وخفض في التَّكاليف البيئيَّة، وتحفيز للاقتصاد الأخضر، وكُلُّ ذلك يصبُّ في دعم النَّاتج المحلِّي الإجمالي بشكلٍ غير تقليدي.. فالنُّمو الاقتصادي هنا لا يعني فقط رفع الإيرادات العامَّة، بل خلق نظام اقتصادي قادر على التَّكيُّف مع المتغيِّرات العالَميَّة، وقادر على استقطاب التكنولوجيا الحديثة والشَّركات العالَميَّة، ويمنح المستثمِرِين بيئة أكثر وضوحًا واستقرارًا وتطلُّعًا للمستقبل. ولعلَّ أكثر الأُمور الَّتي لفَتَتِ الانتباه في الاتفاقيَّات المُوَقَّعة، أنَّها لم تكُنْ مُوَجَّهةً فقط إلى الشَّركات الكبرى أو الاستثمارات الأجنبيَّة، وإنَّما أوْلَتْ اهتمامًا خاصًّا بتعظيم القِيمة المحلِّيَّة المضافة، فقَدْ وقَّعتْ شركة (أوكيو للاستكشاف والإنتاج) على أربعة عقودٍ مع شركات محلِّيَّة ومؤسَّسات صغيرة ومُتَوَسِّطة بقِيمة تتجاوز (21) مليون ريال عُماني، وهو ما يعكس تَوَجُّها واضحًا نَحْوَ خلق اقتصاد داخلي أكثر ديناميكيَّة. كما أنَّ إطلاق برنامج (تميّز) لتأهيل (430) عُمانيًّا من الخرِّيجِين في مجالات فنيَّة وغير فنيَّة، يعكس إدراكًا استراتيجيًّا لأهميَّة الاستثمار في العنصر البَشَري؛ ذلك أنَّ التَّنمية المستدامة لا تكتمل دُونَ بناء قاعدة بَشَريَّة مؤهَّلة، قادرة على المنافسة محلِّيا وإقليميًّا. وفي بلدٍ مِثل عُمان، حيثُ يُشكِّل الشَّباب النِّسبة الأكبر من السكَّان، فإنَّ بناء الإنسان يُعَدُّ أهمَّ بنية يُمكِن تأسيسها، وهذا ما يجعلنا أمام نموذج اقتصادي جديد، يكُونُ فيه المواطن هو المنتِج وليس مستهلِكًا أو مُوَظَّفًا في قِطاع حكومي ينتظر الرَّاتب آخر الشَّهر.

لَطالَما شكَّل التَّنويع الاقتصادي شعارًا تتردَّد أصداؤه في مختلف الخطط والاستراتيجيَّات الوطنيَّة، لكنَّ الفارق الجوهري في «أُسبوع عُمان للاستدامة 2025» أنَّه نقَلَ هذا الشِّعار من خانة التَّمنِّي إلى فضاء التَّنفيذ، فالاتفاقيَّات الَّتي شملتْ مشروعات في الطَّاقة المُتجدِّدة، والرَّقمنة، واستكشاف الغاز الطَّبيعي، وتعزيز الكفاءات البَشَريَّة، كُلُّها تصبُّ في هدف واحد وهو تقليل الاعتماد على النِّفط كمصدر وحيد للدَّخل، وفتح أبواب قِطاعات جديدة قادرة على النُّمو المستقل.. وهنا يظهر الذَّكاء في ربط أهداف الحدَث برؤية «عُمان 2040» الَّتي تسعَى إلى تحقيق توازن بَيْنَ الاقتصاد والبيئة والمُجتمع، بل إنَّ جمع هذا العدد من القادة التَّنفيذيِّين، وصانعي السِّياسات، والخبراء العالَميِّين، حَوْلَ طاولة نقاش واحدة، يعني أنَّ عُمان لم تَعُدْ متلقيةً للتَّجارب وإنَّما صانعة لها، تطرح أسئلتها الخاصَّة وتَبْني أجوبتها من واقعها. وعَلَيْه، يُمكِن القول إنَّ التَّنويعَ الاقتصادي أصبح واقعًا يتشكَّل أمام أعْيُنِنا، أساسُه الشَّراكة، وسقفُه طموحات لا تعترف بالمستحيل، ولم يَعُدْ مشروعًا مستقبليًّا.