توصف مدريد بأنَّها بوَّابة نواكشوط نَحْوَ بروكسل، هكذا يرسم المهاجرون مسار رحلتهم نَحْوَ البحث عن ملاذ آمِن في أوروبا الَّتي تحوَّلت إلى حلم رغم المصاعب وتقطُّع سُبل العيش في بُلدانهم ومخاطر قوارب الموت الَّتي تنتظرهم، وتحوَّلتْ موريتانيا إلى مركز استقطاب لآلاف المهاجرين لموقعِها في شمال غرب إفريقيا. يحدُّها المحيط الأطلسي من الغرب الصحراء الغربيَّة من الشَّمال والشَّمال الغربي، والجزائر من الشَّمال الشَّرقي، ومالي من الشَّرق والجنوب الشَّرقي، والسنغال من الجنوب الغربي.
لكن نواكشوط بالنِّسبة لهم ليسَتْ سوى محطَّة مؤقَّتة قَبل الانطلاق في رحلة هجرة غير شرعيَّة على متن القوارب، أملًا في الوصول إلى إسبانيا.
ويَعْبر المهاجرون الآسيويون إلى موريتانيا من خلال منافذ بَريَّة غير قانونيَّة عَبْرَ الحدود مع مالي والسنغال، بعد ذلك يستقرون مؤقتًا في نواكشوط استعدادًا للانطلاق نَحْوَ سواحل المحيط الأطلسي قبالة نواكشوط لاستقلال قوارب متَّجهة إلى إسبانيا.
موريتانيا تبذل جهودًا لمكافحة هذه الظَّاهرة من خلال سَنِّ قوانين تجرِّم تهريب البَشَر والاتجار بهم، والعمل على تعزيز قدرات الأجهزة الأمنيَّة بالتَّنسيق مع إسبانيا على تقليص هذه التَّدفُّقات وتجفيف منابعها، خصوصًا عَبْرَ الإنترنت، الَّذي تستخدمه شبكات لاستدراج المهاجرين من خلال إغرائهم بوعود كاذبة عن سهولة العبور إلى أوروبا.
تؤكِّد موريتانيا أنَّ المهاجرين يُشكِّلون عبئًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا عَلَيْها، وترَى أنَّ المُتسبِّب الأوَّل في تدفُّق المهاجرين هو الوضع الأمني المعقَّد في المنطقة.
والعاصمة نواكشوط، المُصمّمة لاستيعاب عدد محدود من السكَّان، تواجه ضغوطًا كبيرة بسبب موجات الهجرة الَّتي تضعها على حافَّة الانفجار السكَّاني.
إنَّ «الشَّراكة الجديدة مع الاتِّحاد الأوروبي لا تتضمن ما تمَّ تداوله بأنَّ موريتانيا ستكُونُ وطنًا بديلًا للمهاجرين الأفارقة المرحَّلِين من أوروبا»، وأنَّ الهدف مِنْها التَّنسيق وتقاسم المسؤوليَّات بخصوص مكافحة الهجرة.
وأيقظتْ هذه المخاوف هواجس أمنيَّة واجتماعيَّة قديمة لدى موريتانيا الَّتي تمتاز بتنوُّع عِرقي يعكسه موقعها الجغرافي الرابط بَيْنَ المنطقة المغاربيَّة وغرب إفريقيا وجنوب الصحراء.
كما خلَّفت قلقًا وجدلًا واسعين بَيْنَ الموريتانيِّين الَّذين لم يرتاحوا لظاهرة الهجرة الَّتي تخترق بلدهم الهش، أو لفكرة التَّوطين والاندماج الَّتي قد تكُونُ بداية استقرار نهائي للهاربِينَ من جحيم المحيط المتوتِّر، تخوفًا من تغيُّر ديمغرافي قد يكُونُ محتملًا.
ووفقًا لمتابعين فإنَّ موريتانيا كانتْ بلد عبور شِبه دائم، بطريقة لا تُثير القلق بالشَّكل الَّذي أصبحتْ عَلَيْه خلال السَّنوات الأخيرة.
وتستضيف موريتانيا نَحْوَ (400) ألف لاجئ من مالي، يتركَّز غالبيَّتهم في مُخيَّم أمبره، وفق وسائل إعلام محليَّة.
ويعدُّ أنَّ «حالة الاستقرار في موريتانيا، الَّتي تُصنَّف أوروبيًّا بأنَّها النَّاجي الوحيد من سلسلة الاضطرابات الَّتي ضربت منطقة السَّاحل، جعلها وجهة مفضَّلة للمهاجرين واللاجئين». وحذَّر روَّاد مواقع التَّواصُل الاجتماعي من أنَّ «توطين المهاجرين غير النِّظاميِّين بشكلٍ مؤقت قد يكُونُ بداية استقرار نهائي للهاربِينَ من جحيم المحيط المتوتِّر.
قد يُغيِّر الخريطة الديموغرافيَّة، كما سيُشكِّل عبئًا على خزينة الدَّولة، وشيئًا فشيئًا سيتحولون إلى أزمة اجتماعيَّة واقتصاديَّة مدمِّرة لمستقبل البلاد.
أحمد صبري
كاتب عراقي