الثلاثاء 13 مايو 2025 م - 15 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

فـي مصر.. خلاف بين الملاك ومستأجري الشقق القديمة

فـي مصر.. خلاف بين الملاك ومستأجري الشقق القديمة
الاثنين - 12 مايو 2025 12:07 م

محمد عبد الصادق

20


قَبل ثورة 1952 كانتْ مصر تتبع النَّمط الرَّأسمالي في الإسكان، والَّذي يخضع لآليَّات العَرض والطَّلب، ولم يكُنْ للحكومة تدخُّل في العلاقة بَيْنَ المالِك والمستأجِر، ونتيجة لذلك انتعش قِطاع المقاولات، وجذب سُوق العقار المصري الشَّركات الأوروبيَّة، وما زالت عمارات وسط البلد الَّتي شيِّدت في الحقبة الخديويَّة، بطرازها المعماري البلجيكي والفرنسي شاهدة على النَّهضة العقاريَّة الَّتي شهدتها مصر قَبل الثَّورة، حيثُ كان الإيراد النَّاتج من تأجير الشّقق مجزيًا للمالك، ومشجعًا على الاستثمار في العقار.

جاء جمال عبدالناصر في العام 1962م، وسنّ قانون الإيجار القديم، والَّذي لم يكتفْ بتحديد القِيمة الإيجاريَّة للشّقق، لكنَّه قرَّر عدم جواز طرد المستأجِر لأيِّ سبب كان، وتوريث الشّقة السكنيَّة للزَّوجة والأبناء والأحفاد، بل خفض القِيمة الإيجاريَّة (15%) من قِيمتها، ثم خفضها بعد سنتين (15%) أخرى، ثمَّ (35%) مراعاةً لظروفِ المصريِّين آنذاك.

انحاز القانون للمستأجِر على حساب المالِك، ولكنَّه أدَّى لعزوفِ المصريِّين عن الاستثمار في العقار، الأمْر الَّذي أدَّى لأزمة إسكان مستحكمة بمصر في السبعينيَّات والثمانينيَّات، وبروز ظاهرة «خلو الرجل»، ومن بعدها اختفى الإيجار وظهر التَّمليك الَّذي لم تكُنْ أسعاره في متناول جموع المصريِّين. حتَّى ظهر قانون الإيجار الجديد في العام 1990م وحرَّر العلاقة بَيْنَ المالِك والمستأجِر، ولكنَّه لم يتعرضْ لمصير قرابة (3) ملايين شقَّة مؤجَّرة وفقًا للقانون القديم، تدفع إيجارًا جنيهات معدودة، لا تكفي لشراء علبة سجائر، وما زالت هناك شقق في أحياء راقية بالقاهرة والإسكندريَّة يقدَّر ثَمنها بملايين الجنيهات، وإيجارها الشَّهري (18) جنيهًا، الأمْر الَّذي أوجدَ حالة تربُّص بَيْنَ المالِك والمستأجِر، وصلَ لساحات المحاكم على مدار العقود الخمسة الماضية.

تباينتِ الآراء بَيْنَ الفريقَيْنِ، المُلَّاك يَروْنَ أنَّ حقوقهم أهدرت وأنَّهم تعرَّضوا لظُلم تاريخي، والمستأجرون يخشون الطَّرد وضياع الاستقرار الاجتماعي. ويرى المُلَّاك أنَّ الوقت قد حان لاسترجاع أملاكهم الَّتي حُرموا مِنْها بالقانون، بَيْنَما يرَى المستأجرون أنَّ أيَّ تعديل في القانون لصالح المُلَّاك، سيؤدِّي لتشريدِ ملايين الأُسر الفقيرة الَّتي لا تملك ثَمن الشّقق التَّمليك ولا الإيجار الجديد، فأغلَبهم من كبار السِّن الَّذين يعيشون على راتب التَّقاعد المحدود.

الحكومة المصريَّة أحالتْ قانون الإيجار القديم إلى مجلس النّوَّاب لإجراء تعديلات عَلَيْه، تنفيذًا لحُكم المحكمة بعدم دستوريَّته، مؤكِّدةً أنَّ القانون المقترح سيُراعي الأبعاد الاجتماعيَّة للمستأجِرِين، واقترحتْ زيادة عشرة أضعاف القِيمة الحاليَّة، وفترة زمنيَّة قد تكُونُ (5) سنوات لانتهاء العلاقة الإيجاريَّة، وهناك اقتراح بمنح الحكومة شققًا للمستأجِرِين الفقراء في الإسكان الاجتماعي بأسعار ميسَّرة.

ما زالت لجان مجلس النّوَّاب تناقش التَّعديلات وتستمع للأفكار وتجري حوارات مُجتمعيَّة قَبل إصدار القانون، وحلّ المُشْكلة الَّتي كشفتْها أرقام الجهاز المركزي للإحصاء، فإجمالي الوحدات المؤجَّرة قانون قديم (3) ملايين و(19) ألفَ شقَّةٍ، مِنْها مليون و(880) ألفَ شقَّةٍ سكنيَّة، و(575) ألفَ شقَّةٍ سكني تجاري، وأنَّ (36%) من المستأجِرِين يدفعون أقلَّ من (50) جنيهًا، وبعضهم يدفعون (175) قرشًا فقط، وأنَّ هناك (360) ألفَ شقَّةٍ مغلقة، وأنَّ هناك آلاف الوحدات قام المستأجِرون بتأجيرها من الباطن بآلاف الجنيهات شهريًّا، دُونَ أن يستفيدَ المُلَّاك من ذلك.

عددٌ كبير من وحدات الإيجار القديم مُهدَّد بالانهيار جرَّاء غياب الصِّيانة، فالمالِك يرفض إجراء الصِّيانة، لعدم وجود إيراد ويتمنَّى سقوط العقار، حتَّى يتخلَّصَ من المستأجِرِين، ويضع يَدَه على الأرض الفضاء الَّتي تعدَّى سعرها عشرات الملايين، خصوصًا في المناطق الرَّاقية كالزَّمالك وجاردن سيتي ووسط البلد، والمستأجِر لا يَعنِيه سوى داخل شقَّته، غير مبالٍ بما يحدُث في مَرافق العمارة من تسريب للصَّرف الصحِّي، وتآكل الأساسات.

محمد عبد الصادق

[email protected]

كاتب صحفي مصري