الثلاثاء 13 مايو 2025 م - 15 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

بطاقة رمادية .. رواية جديدة لوليد الزبيدي

بطاقة رمادية .. رواية جديدة لوليد الزبيدي
الأحد - 11 مايو 2025 02:16 م
30

عرض ـ محمد عبدالصادق

يصحبنا الكاتب وليد الزبيدي في رحلة مثيرة، مع بطل روايته (بطاقة رمادية) التي تقع في 147 ورقة من القطع الصغير، ويتصدر غلافها عود شرقي تحيط به مبان تراثية في أحد شوارع بغداد القديمة ـ، الشاب منير سعيد الذي لديه شكوك في علاقته باسمه، فهو يرى أنه أبعد ما يكون عن السعادة، أو كونه منيرا، اللهم من خلال ولعه بالعلوم وعلاقته بالطاقة الشمسية واستخدامها في الإنارة التي غابت عن شوارع بغداد بسبب نقص الكهرباء، حتى صدم بتلقيه بطاقة دعوة رمادية، لزيارة متحف الفن الحديث الذي لا تربطه به ثمة علاقة سابقة، فهو لا يعلم شيئا عن الفن التشكيلي أو اللوحات الفنية، ولا يحفظ اسم فنان تشكيلي واحد ولا اسم لوحة أو عمل فني محلي أو عالمي، ونفس الشيء عن علاقته بعالم الموسيقى، لا يعرف شيئا عن الأعمال الموسيقية ولا أسماء مشاهير الموسيقى والغناء، ولكنه اضطر للذهاب إلى المعرض وتلبية الدعوة صاغرا في يوم قارس البرودة، كل ما لفت نظره في المتحف الرجال والنساء الذين يرتدون الملابس الباذخة.

يستخدم الزبيدي لغة سردية شاعرية أقرب للنثر، مشابهة لتلك اللغة التي يستخدمها كتاب القصة القصيرة، عندما يصف لنا مشهد البطل وهو يدلف باب المتحف بخطوات بطيئة، يحاول الحفاظ على هدوئه وتماسكه، احتضنه دفء المكان، فضاء واسع وجدران تتوزع عليها لوحات بألوان زاهية وغامقة ورمادية، يقلد الزوار في حركتهم البطيئة، وطريقة سيرهم، تنشد عيونهم صوب اللوحات كأنهم يتحدثون بصمت معها، وقف أمام لوحة مقلدا الآخرين في طريقة تحديقهم بها، أنه يشعر بتصلب جسده حد الجمود. حتى يصل بطل الرواية إلى اللحظة المفتاحية التي تقلب حياته رأسا على عقب، عندما يشاهد فتاة فاتنة الجمال تسير بخطوات أسرع قليلا من الآخرين، اقتربت منه، وبدون مقدمات، قربت شفتيها من أذنيه، وقالت بهمس: أنت عازف عود، وواصلت خطواتها، بعد أن وصله عطرها الأخاذ، ولكنها اختفت تماما، وتركت منير في حيرة لم يفق منها حتى نهاية الرواية، لم يتصور أن قصة ما ستبدأ معها، بعد أن لازمته ملامح تلك الفتاة في صحوه ومنامه، لأنها طرحت عليه أمرا غريبا جدا، أن يصبح عازف عود، قرر الإذعان لنصيحة الفتاة الجميلة بأن يصبح عازفا للعود، كانت العقبة أمامه هي تعامله مع والده مدرس العود الصارم، الذي لا يتنازل عن أدنى التفاصيل، عندما يتعلق الأمر بالعزف والغناء، كيف يفاتحه برغبته في تعلم العزف على العود، بعد سنوات من حديثه عن تلوث البيئة والطاقة النظيفة وأهميتها في مستقبل العالم، يخشى أن يرفض، فغالبا لا يريد الآباء للأبناء الدخول في ذات المهن التي يخوضونها. في مسعاه للعثور على الفتاة التي سحرته واختفت، قرر أن يتعلم العزف على العود، ممنيا نفسه أن تجده يوما صدفة في حفل موسيقي أثناء عزفه على العود. بدأ يقترب من عوالم العود، والاطلاع على بعض المعلومات الأولية، ولم يدر بخلده أنها ستقوده إلى أجمل غايات الفن، العزف على العود والتعرف على عوالمه الرائعة، اكتشف سعيد أن أول ظهور لآلة العود كان في العراق القديم، في العصر الأكدي سنة 2350 قبل الميلاد. آمن بأنه سيسير في طريق مواز، لايقل إثارة عن طريق الحب للفتاة الجميلة الذي وجد نفسه غارقا في سحرها، لم يسمع منير والده يوما يحدثهم يوما عن تاريخ العود، فوالده لا يشبه الكثير من الآباء الذين يتباهون بكل حرف أو مهارة يجيدونها، ولكنه لا يتردد في الإجابة عن الأسئلة. قرر أن يخصص ساعتين للبحث عن الفتاة ذات الوجه الجميل، وساعة للعزف على العود ودراسة عوالمه التي بدأ ينجذب إليها، ويتخيل السعادة الغامرة التي ستنتاب والده عندما يكتشف شغف ابنه بالعود ورغبته في السير على دربه. بحث عن مقهي يلتقي فيها بعازفي العود، حتى دله صديقه على «سوق العوادين» الذي يقع وسط بغداد، قبل أن يصل إلى المكان وصلت أصوات العزف والغناء، سأل عن أسعار العود، ربما يقتني عودا يبدأ التدريب به على يدي والده البارع، ولكنه أرجأ الشراء حتى يستشير والده، واكتفى بمعرفة المواصفات الخاصة بالأعواد الأفضل. لم ينس سعيد فتاته الجميلة، طلب من رسام يرسم وجوه المجرمين التقاه في المتحف، مساعدته في الوصول إليها، فطلب منه وصف ملامح الفتاة حتى يرسم لها لوحة «بورتريه» تقريبية، مؤكدا له أن أصعب أنواع الرسم عندما تتخيل شخصية مجرمة عليك التعامل معها، أما الوجه الجميل فيختلف، مثلما تتحمس عند قراءة رواية عن الجريمة، وتسترخي عندما تقرأ رواية تتحدث عن الحب والجمال. خلال رحلته للتعرف على عالم العود، تعرف سعيد على بعض من تاريخ العراق الزاخر بالريادة والإنجازات في مختلف العصور والعلوم والمجالات، تعرف على أشهر صانعي آلة العود في العصر الحديث، محمد فاضل حسين، الذي ولد في بغداد في العام 1910م، وتعمد السؤال عن أولاده وأحفاده، وعرف أن ولده عمر محمد فاضل أخذ الصنعة عن أبيه وحافظ عليها وبرع فيها أيضا، وكان يفخر بمنجزات أبيه، وكيف صنع أول عود وهو في الثانية والعشرين من عمره، في العام 1932م وهو العام الذي انضم فيه العراق لعصبة الأمم، التي حلت محلها الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، حاول أن يجمع معلومات عن أبناء واصلوا مسيرة آبائهم في صناعة العود أوفي العزف عليه كذلك في المقام العراقي. اكتشف سعيد أن العود انطلق من العراق، وكذلك الكتابة ومسلة حمورابي، وغيرها الكثير، كما اكتشف أيضا أن العطر أيضا انطلق من بلاد الرافدين، وكيف جعلت الفتاة التي سحرته العطر يتبعها، وتخيل أن يكون هو أول مكتشف لهذه الظاهرة على مستوى العالم. يصحبنا الزبيدي في رحلة مع بطله منير سعيد و صراعاته الثلاثية، بين الفتاة التي سحرته بجمالها، وولعه بالعود، واهتمامه بالطاقة الشمسية، حتى نصل لمشهد وقوفه في مواجهة أبيه والإفصاح عن رغبته في تعلم العزف على العود، عندما وقف أمام أفراد العائلة، يتحدث عما يحفظه عن تاريخ العود، ودور زرياب في تطويره، والعمالقة العرب من المطربين والملحنين الذين استخدموا أعوادا من صناعة الراحل محمد فاضل، وقدم شرحا لسوق العوادين بمنطقة جديد حسن باشا، كان يشاهد الدهشة الممزوجة بالفرح على وجوه الجميع، حتى والده كان يهز رأسه مؤيدا دقة معلوماته، لم يعترض على كلمة مما قاله منير، وعندها طلب من والده أن يسمح له بدخول هذا العالم، بجانب عمله الناجح، متمنيا أن يكون أحد تلاميذه، نهض الأب من مكانه وتوجه إلى مكتبه، ولم ينبت أحد ببنت شفه، لم يتأخر الوالد كثيرا، وجاء وهو يمسك بيده اليمنى بطاقة رمادية اللون، ودون أن يتكلم ناولها إلى منير سعيد، تناول منير البطاقة بلهفة واستغراب، كانت بحجم بطاقة دعوات الأعراس، قرأ المكتوب فيها: «مستعد لتدريسك وتعليمك العزف على العود بشرط أن لا تعزف أبدا»، كتب الكلمات بخط أنيق ووضع خطين تحت، (أبدا)، عرف أفراد العائلة المكتوب في الورقة، طواها منير واحتفظ بها وحاول أن ينسى المشروع برمته، طالما مرن نفسه على عدم التأثر بالمفاجآت، حتى لو كانت تشبه الصدمات، يؤمن منذ سنوات أن الذي تطويه الصدمات فإن انكساره ليس صعبا.