تشهد العلاقات بين سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية دفعة قوية وتطورا ملحوظا في إطار الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تكللت بتوقيع مجموعة واسعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية. ويعكس هذا الزخم رغبة مشتركة لدى البلدين في تعزيز وتوسيع آفاق التعاون الثنائي في مختلف المجالات الحيوية فالتعاون بين البلدين الشقيقين ضرورة جيوسياسية حتمية في ظل الموقع الاستراتيجي للبلدين.. فسلطنة عُمان تمثل بوابة لشبه الجزيرة العربية وبها موانئ ذات موقع اقتصادي مهم تطل على المحيط الهندي وبحر العرب وليست ببعيدة عن شبه الجزيرة الهندية من جهة والقرن الإفريقي وشرق إفريقيا من جهة أخرى، وفي المقابل تموضع الجزائر في فلب شمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط لتشكل بوابة للقارة الأوروبية وسوقًا واعدة لإعادة التصدير إلى تلك القارة وإلى مختلف دول الشمال والوسط الإفريقي بكثافتها السكانية العالية. وبالتالي فإن التبادل التجاري بين تلك المواقع يمثل ثقلًا استراتيجيًّا اقتصاديًّا مُهمًّا يمكن تعظيمه والاستفادة من عوائده مستقبلًا.
ومن ثمار تلك الزيارة الكريمة، الحزمة الموقعة لاتفاقية أولية، وأربع مذكرات تفاهم، ومذكرتي تعاون، بالإضافة إلى أربعة برامج تنفيذية ليبرز من بين هذه المبادرات الإعلان عن إنشاء صندوق استثماري عُماني جزائري مشترك، وهو خطوة استراتيجية وتنفيذية مهمة تهدف إلى تجميع الموارد وتوجيهها نحو مشاريع ذات جدوى اقتصادية تعود بالنفع على البلدين. خصوصًا إذا ما علمنا أن الموازنة المقترحة لهذا الصندوق تقدر بحوالي 115.4 مليون ريال عُماني أي (ما يعادل 300 مليون دولار أميركي)، مما يشير إلى جدية الالتزام بتعزيز الشراكة الاستثمارية.
الزخم في الاتفاقيات بين سلطنة عُمان والجزائر يعكس تعزيزًا استراتيجيًّا للتعاون الثنائي في مجالات حيوية تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة واقتصادية مشتركة بين البلدين. ومن أجل المساهمة في تنويع القطاعات الاستثمارية سوف تشمل الاتفاقيات مجالات نوعية حديثة ذات جدوى ومتنوعة يقلل الاعتماد على القطاعات التقليدية.. فإنشاء صندوق استثماري مشترك بقيمة 300 مليون دولار، يُعد أداة مباشرة لتمويل مشاريع مشتركة تُعزز البنية الأساسية والابتكار في القطاعات المستهدفة بهدف تعزيز التعاون التقني والعلمي عبر برامج تنفيذية في التعليم والتكنولوجيا، مما يسهم في نقل المعرفة وبناء الكفاءات المحلية.
ولم يقتصر التعاون على الجانب الاستثماري المباشر، بل امتد ليشمل مجالات أخرى تسهم في بناء شراكة مستدامة ومتكاملة فشملت الاتفاقيات الموقعة مجالات العلوم والتقنية والتعليم، مما يفتح الباب أمام تبادل الخبرات والمعرفة وتطوير الكفاءات البشرية. علاوة على ًالتعاون في المجال القضائي والعدلي والذي سيسهم في تبادل الكفاءات القضائية التي تزخر بها البلدين.
وإذا ما تناولنا ذلك بشيء من التحليل فإن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين سلطنة عُمان والجزائر وبشكل خاص إنشاء الصندوق الاستثماري المشترك، خطوة استراتيجية تحمل في طياتها فوائد اقتصادية جمة لكلا البلدين. يتجاوز الأثر الاقتصادي مجرد ضخ رأس المال، ليشمل تحفيز قطاعات حيوية، وتعزيز التنويع الاقتصادي، وتوفير فرص عمل، وتعميق الشراكة التجارية والاستثمارية. ولضمان نجاح هذه الاستراتيجيات، يجب تفعيل دور الصندوق الاستثماري المشترك بشكل كامل وفعال، وربما النظر في زيادة رأسماله مستقبلاً مع نجاح استثماراته الأولية. أخيرًا، يتطلب ضمان استدامة هذا التطور وضع آليَّات متابعة وتقييم منتظمة لتنفيذ الاتفاقيات والبرامج التنفيذية الموقعة، ومعالجة أي تحديات قد تطرأ. كما يمكن تشكيل لجان مشتركة متخصصة لمتابعة التقدم في كل قطاع، وعقد اجتماعات دورية على مستوى وزاري لتقييم مسار التعاون وتحديد التوجهات المستقبلية. كل تلك العوامل سوف تمثل الضمانة الأساسية لترجمة هذه الرؤى والطموحات إلى واقع ملموس يعود بالخير والنفع على الشَّعبين الشقيقين.
سيف بن خلفان الكندي
إعلامي عماني