كتب ــ عبدالله الجرداني:
في روايتها (خيوط القدر)، تقدّم الكاتبة العمانية ابتسام علي عملاً سرديًا يزاوج بين الماضي والحاضر، حيث تتقاطع حكايات أجيال متعاقبة مثل فاطمة وعلي وحميدة، في حبكة تتشابك فيها المصائر، وتنعكس فيها تأثيرات الزمن على الأفراد والمجتمع. تتنقل الرواية بين بيئات متباينة، من قرية (نفعاء) النائية إلى مدينة مطرح، وصولًا إلى ساحات الحرب في ظفار، لتُبرز التفاعل بين التجربة الشخصية والسياق الاجتماعي والسياسي الواسع. ويأتي العنوان الرمزي (خيوط القدر) ليؤكد على فكرة الحتمية وتشابك المصائر، كما في قصة موت (شمسوه وزوينة)، رغم محاولتهما تحدي المصير.
تركز الرواية على قضايا المرأة في المجتمع التقليدي، من خلال قصص الزواج القسري والعنف الأسري والوصمة الاجتماعية، كما تتناول آثار الحرب من خلال تجربة شخصية لعلي، الذي تعكس تأملاته فقدانًا عميقًا واغترابًا داخليًا. ويظهر صراع الأجيال في تباين المواقف بين التشبث بالعادات مثل ختان البنات، والسعي للتحرر كما في هروب جوخة إلى المدينة.
تنسج الرواية عالمًا حسيًا غنيًا، بلغة بسيطة مشبعة بالصور الشعرية، تفيض فيها رائحة البخور ومذاق الأرز بالسمك، عندما تتسلل خيوط الشمس إلى الخيمة، وتدخل رائحة المطر أعماق الصدر، وللمحكية العمانية حضور أضفى طابعا واقعيا. أما الرموز فتلعب دورًا مركزيًا، فالوادي والماء يرمزان إلى الحياة والموت، والشجرة إلى الجذور والقدر، والغول إلى الخوف من المجهول.
تبني الرواية التوتر تدريجيًا من خلال التفاصيل اليومية، قبل أن تتسارع وتيرته مع تصاعد المآسي، وتبلغ ذروتها في مشهد موت زوينة أثناء (رمسة الزار)، حيث تتداخل التراجيديا بالخرافة والانتقام والموت، في خاتمة كثيفة بالعاطفة والرمزية، وبرغم موت شخصيات رئيسية، تبقى الرواية مفتوحة على أسئلة حول استمرارية المعاناة أو التحرر (مثل مصير بنات علي بعد فقدان المزرعة).
رسالة إنسانية
تؤكد الرواية على فكرة أن (خيوط القدر) قد تُحاك بالألم، لكن الخيارات الفردية مثل هروب جوخة، صمود حميدة تبقى شمعة مقاومة. رواية خيوط (القدر) عمل فني عميق يجمع بين الواقعية والرمزية، يسّلط الضوء على هموم المجتمع العماني عبر سرد متعدد الأصوات، تميّز العمل بتصويره القاسي أحيانًا للواقع، لكنه أيضًا يمنح الأمل من خلال صمود الشخصيات، وتبقى رواية مؤثرة تطرح أسئلة وجودية حول الحرية، القهر، وإرادة الحياة.