الجمعة 09 مايو 2025 م - 11 ذو القعدة 1446 هـ

معركة اليرموك «2»

الأربعاء - 07 مايو 2025 01:54 م

أيها الأحباب.. ولا نزال مع معركة اليرموك.. وقد توقف بنا الحديث عند تقسيم جيش المسلمين استعداد للمعركة، يقول صاحب كتاب (البداية والنهاية، ط: إحياء التراث 33/‏‏ 8): (وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَعَهُ شُرَحْبِيلَ بن حَسَنَةَ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ. وَأَمَّرَ عَلَى كُلِّ كُرْدُوسٍ أَمِيرًا، وَعَلَى الطَّلَائِعِ قباب بْنَ أَشْيَمَ، وَعَلَى الْأَقْبَاضِ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْقَاضِي يَوْمَئِذٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَقَاصُّهُمُ الَّذِي يَعِظُهُمْ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَقَارِئُهُمِ الَّذِي يَدُورُ عَلَى النَّاسِ فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْأَنْفَالِ وَآيَاتِ الْجِهَادِ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ. وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أَبِي وَقَّاصِ، وَعَلَى الْخَيَّالَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وهو المشير في الحرب الذي يَصْدُرُ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ رَأْيِهِ، وَأَقْبَلَتِ الرُّومُ فِي خُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا كَأَنَّهُمْ غَمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَصِيحُونَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ وَرُهْبَانُهُمْ يَتْلُونَ الْإِنْجِيلَ وَيُحِثُّونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ وَتَبَارَزَ الْفَرِيقَانِ وَعَظَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ انْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْبِرُوا فَإِنَّ الصَّبْرَ مَنْجَاةٌ مِنَ الْكُفْرِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَدْحَضَةٌ لِلْعَارِ.. حتى انتهى. وكذا خطبهم وكذلك أبو سفيان، وكذا أبو هريرة.. وغيرهم، حيث أنه لَمَّا تَقَارَبَ النَّاسُ تَقَدَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَعَهُمَا ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، وَنَادَوْا: إِنَّمَا نُرِيدُ أَمِيرَكُمْ لِنَجْتَمِعَ بِهِ، فَأُذِنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ عَلَى تَذَارِقَ، وَإِذَا هُوَ جَالَسٌ فِي خَيْمَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَقَالَ الصَّحَابَةُ: لَا نَسْتَحِلُّ دُخُولَهَا، فَأَمَرَ لَهُمْ بِفُرُشٍ بُسُطٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالُوا: وَلَا نَجْلِسُ عَلَى هَذِهِ. فَجَلَسَ مَعَهُمْ حَيْثُ أَحَبُّوا وَتَرَاضَوْا عَلَى الصُّلْحِ، وَرَجَعَ عَنْهُمُ الصحابة بعد ما دَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَتِمَّ ذلك. وذكر الوليد بن مسلم أن ماهان طَلَبَ خَالِدًا لِيَبْرُزَ إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فيجتمعا في مصلحة لهم فقال ماهان: إِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَخْرَجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمُ الْجَهْدَ وَالْجُوعَ، فَهَلُمُّوا إِلَى أَنْ أُعْطِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكِسْوَةً وَطَعَامًا وَتَرْجِعُونَ إِلَى بِلَادِكُمْ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَعَثْنَا لَكُمْ بِمِثْلِهَا. فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْنَا مِنْ بِلَادِنَا مَا ذَكَرْتَ، غَيْرَ أَنَّا قَوْمٌ نَشْرَبُ الدِّمَاءَ، وَأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ لَا دَمَ أَطْيَبُ مِنْ دَمِ الرُّومِ. فَجِئْنَا لذلك. فقال أصحاب ماهان: هَذَا وَاللَّهِ مَا كُنَّا نُحَدَّثُ بِهِ عَنِ العرب. قالو ثُمَّ تَقَدَّمَ خَالِدٌ إِلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَالْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُمَا عَلَى مُجَنِّبَتَيِ الْقَلْبِ - أَنْ يُنْشِئَا الْقِتَالَ. فَبَدَرَا يَرْتَجِزَانِ وَدَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ، وَتَنَازَلَ الْأَبْطَالُ، وَتَجَاوَلُوا وَحَمِيَ الْحَرْبُ وقامت على ساق.. وخالد مع كُرْدُوسٌ مِنَ الْحُمَاةِ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ بَيْنَ يَدَيِ الصُّفُوفِ، وَالْأَبْطَالُ يَتَصَاوَلُونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ وَيَبْعَثُ إِلَى كُلِّ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَا يَعْتَمِدُونَهُ مِنَ الْأَفَاعِيلِ، وَيُدَبِّرُ أَمْرَ الحرب أتم تدبير. وَسَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَقُولُ: عِبَادَ اللَّهِ انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معاشر الْمُسْلِمِينَ اصْبِرُوا فَإِنَّ الصَّبْرَ مَنْجَاةٌ مِنَ الْكُفْرِ، وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ. وَخَرَجَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَجَعَلَ يُذَكِّرُهُمْ، وَسَارَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي النَّاسِ وَهُوَ يُذَكِّرُهُمْ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو سُفْيَانَ فَأَحْسَنَ وَحَثَّ عَلَى الْقِتَالِ فَأَبْلَغَ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ، وتَوَاجَهَ النَّاسُ وَأَقْبَلَتِ الرُّومُ رَافِعَةً صُلْبَانَهَا وَلَهُمْ أَصْوَاتٌ مُزْعِجَةٌ كَالرَّعْدِ، وَالْقَسَاقِسَةُ وَالْبَطَارِقَةُ تُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَهُمْ فِي عَدَدٍ وَعُدَدٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، وَجَعَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ كَلَّمَا سَمِعَ أَصْوَاتَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ زَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَرْعِبْ قُلُوبَهُمْ: وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا السَّكِينَةَ، وألزمنا كلمة التقوى، وجبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء، وخرج ماهان فأمر صاحب الميسرة وهو الدبريجان، وَكَانَ عَدُوُّ اللَّهِ مُتَنَسِّكًا فِيهِمْ، فَحَمَلَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَفِيهَا الْأَزْدُ وَمَذْحِجٌ وَحَضْرَمَوْتُ وَخَوْلَانُ، فَثَبَتُوا حَتَّى صَدُّوا أَعْدَاءَ اللَّهِ، ثُمَّ رَكِبَهُمْ مِنَ الرُّومِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ. فَزَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمَيْمَنَةِ إلى ناحية القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت صور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، ثُمَّ تَنَادَوْا فَتَرَاجَعُوا وَحَمَلُوا حَتَّى نَهْنَهُوا مَنْ أَمَامَهُمْ مِنَ الرُّومِ وَأَشْغَلُوهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ مَنِ انْكَشَفَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَادَى عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: مَنْ يُبَايِعُ عَلَى الْمَوْتِ؟ فَبَايَعَهُ أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ وَفُرْسَانِهِمْ، فَقَاتَلُوا قُدَّامَ فُسْطَاطِ خَالِدٍ حَتَّى أُثْبِتُوا جَمِيعًا جِرَاحًا، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ مِنْهُمْ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ ـ رِضَى اللَّهِ عَنْهُم.. وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف

 [email protected]