بعيدًا عن الجدل الذي أثاره قرار وزارة العمل الأخير بفرض تعيين مواطن عُماني واحد على الأقل في المؤسسات والشركات التي مضى على تأسيسها عام، تبرز تساؤلات مشروعة حول توقيت هذا القرار ومدى جاهزية السوق لتطبيقه في ظل الظروف الراهنة.
صحيح أن القرار يهدف إلى معالجة قضية الباحثين عن عمل والمسرحين، وهي قضية وطنية تستحق التفاعل الجاد من مختلف الجهات والمؤسسات والأفراد فهي مسؤولية مشتركة، إلا أن التوقيت وظروف السوق الحالية يفرضان ضرورة التريث والتأني في اتخاذ مثل هذه الخطوات الحساسة، التي قد تنعكس سلبا على واقع المؤسسات خاصة الصغيرة والمتوسطة.
وتواجه قطاعات واسعة من الاقتصاد، لا سيما التجارية والصناعية والسياحية، تراجعًا ملحوظًا في الأداء، إلى جانب ضعف القوة الشرائية، مما يثقل كاهل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هذه المؤسسات تمثل الشريحة الأكبر من نسيج الاقتصاد الوطني، وهي تعاني أصلًا من تحديات عديدة، منها تراجع السوق، وقرارات حكومية سابقة فرضت رسومًا إضافية أو التزامات مالية وضريبية غير مبررة من وجهة نظر البعض، وهو ما كان أحد الأسباب في إغلاق عدد من المؤسسات، بينما تكافح أخرى للاستمرار، وبعضها مهدد بالإغلاق إذا لم تتوفر حوافز حقيقية تعيد الثقة إلى السوق وتدعم بيئة الاستثمار.
نتفهم الضغوط التي تواجهها وزارة العمل في سعيها لتوفير فرص عمل للمواطنين، وندرك أهمية التحرك العاجل لمعالجة هذه الملفات، لكن في المقابل من الضروري أن تُبنى هذه القرارات على دراسات واقعية لظروف السوق، وأن يتم إشراك الجهات المعنية، مثل غرفة تجارة وصناعة عمان، وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومجلس الدولة، لضمان توافق السياسات مع واقع المؤسسات وقدرتها على الاستجابة. فغياب التنسيق والتشاور في مثل هذه القرارات قد يؤدي إلى ارتباك في الأسواق، ويضعف جاذبية الاستثمار، بل وقد يؤدي إلى خروج رؤوس الأموال في ظل حالة من الغموض الاقتصادي. هذا الأمر يتزامن مع توقعات بركود اقتصادي نتيجة عوامل خارجية، مثل تراجع أسعار النفط، والحرب التجارية بين الصين وأميركا، وتقلبات الأسواق المالية العالمية.
في ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري فتح قنوات حوار جادة مع القطاع الخاص بمختلف شرائحه، لفهم التحديات، وبحث الحلول العملية التي تعزز من كفاءة الاقتصاد، وتدعم الحراك التجاري والاستثماري. ما نحتاجه اليوم هو رؤية واضحة، تستشرف المستقبل وتبني خطواتها بثقة وثبات، وتفتح الآفاق أمام الشباب العماني ليكون الاستثمار في القطاع الخاص فرصة واعدة لحياة كريمة وآمنة، فمثل هذه الخطوات، إذا أحسن توقيتها وأسلوب تنفيذها، ستكون داعمًا حقيقيًا لرؤية عمان الاقتصادية، وتُسهم في تخفيف الضغط عن الحكومة في ملف التوظيف، بدلاً من أن تصبح عبئًا إضافيًا على كاهل القطاع الخاص.من المهم أيضًا أن تتزامن مثل هذه القرارات مع حزمة من السياسات التحفيزية التي تُمكّن المؤسسات من استيعاب العمالة الوطنية دون أن تتكبد خسائر إضافية، مثل تخفيض بعض الرسوم، أو تقديم إعفاءات ضريبية مرحلية، أو توفير دعم تدريبي مباشر للموظفين الجدد.
إن ربط التعمين بالحوافز سيخلق مناخًا أكثر إيجابية، ويحول القرار من عبء إلى فرصة مشتركة، تسهم في خلق سوق عمل أكثر توازنًا واستقرارًا، وتدفع عجلة التنمية نحو أهداف أكثر استدامة وشمولاً.
مصطفى المعمري
كاتب عماني