الخميس 08 مايو 2025 م - 10 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : لا تظلموا أوطانكم

في العمق : لا تظلموا أوطانكم
الثلاثاء - 06 مايو 2025 12:43 م

د.رجب بن علي العويسي

20

«عُمان» وطننا، مَجْدنا، عزُّنا، فخْرُنا، روحُنا، حياتُنا، أمْنُنا، استقرارُنا، سعادتُنا، وجودُنا، ملاذُنا، مشتركُنا، طريقُ نجاحاتِنا، سبيلُ تقدُّمِنا، منهجُ عملِنا، مسارُ وحدتِنا، غراسُ حُبِّنا، أبلغُ كلمةٍ، وأعُمقُ معنًى، وأعظمُ بوحٍ، وأصدقُ ترنيمةٍ، به نتنفس الحياة، ونعيش الأمل، ونبلغ الحلم، ونسابق المَجد، ونستحضر الموهبة، ونستلهم الإبداع والابتكار، ونرتقي الثريَّا، ونحتكم العدالة، ونلتزم النِّظام، ونهتدي إلى الحقِّ، وهل هناك أبلغ من الأوطان قدرًا، وأعظمها منزلة، وأجملها من نعمة، وأبدعها من مزية، هي الحصن والحضن، والأنس والجَمال، والأمل والعمل، والأمن والحياة والتَّعايش والسَّلام؟

فلا تظلموا أوطانكم بضعف ثقتكم في أنْفُسكم، وكثرة عيبكم على بعضكم، وسرعة أحكامكم على عوارض الممارسة، أو بسبب تضييع بعضكم لأمانته، وعدم التزامه مسؤوليَّته أو وفائه بواجباته أو تقصيره في أداء مهامه، فضلَّ وأضلَّ، وظلمَ وأظْلمَ، واختلسَ وخانَ، فإنَّ الوطنَ مِنْها بريء، ولِقُبحها وفِعلها المشين ناكر، فالتزموا حدود التَّصرُّف، وتأدَّبوا مع الوطن.. فالأوطان مسالمة في كُلِّ شيء، حريصة على حياة كُلِّ واحد مِنْكم، لن تتسببَ في ظلِّم النَّاس فلا نظلمْها، ولن تسيءَ لأحَد، فلا نُسئ إِلَيْها، ولن تقللَ من شأن أحَد أو ترفع أحَدًا على أحَد فلا تتهموها بإجحافكم لحقوقها، وخيانتكم لأماناتها، أو تساهلكم في الدِّفاع عن حياضها وصون مكتسباتها، وأيّ خيانة أعظم من إثارة لكلمات نابية في غير محمدة، وترويج لفكرة مُضلّلة من أجْل مفسدة، أو نعتٍ لها في أقبح صورة أو أسوأ تصرُّف أو تضييع للثَّروة واختلاس للمال العامِّ أو تغييب للإنجاز من أجْل مفخرة، أو ممارسة قوليَّة وفعليَّة عَبْرَ تغريدة أو ترنيمة تسلب حقَّها وتُسيء لأمْنها، وتحجيم قدرها، وتضييق تطوُّرها، وتشويه صورة إنجازها، بدعوى حُريَّة التَّعبير، وحقّ المشاركة في إبداء الرَّأي، وطريق معالجة الفساد، وسبيل ملاحقة المُذنبِين، وتوجيه الأنظار إلى بعض الثَّغرات الَّتي تسبَّبتْ فيها أيدي النَّاس وعبثهم، بمفهوم المقارنات السَّالبة وترويج المعالجات الوقتيَّة وإضاعة قِيمة المبادئ والأُسُس الوطنيَّة بجملة من الشِّعارات الإعلاميَّة البرَّاقة والسُّلوكيَّات الفرديَّة الوقتيَّة، فاحتسب المقارنة فرصةً للحاقِ بالآخر، وهي لعمري مقارنات تحجب الحقَّ وتضيع المعروف وتنمُّ عن ضعف الوعي والشُّعور بالمسؤوليَّة، لنكفَّ ألسنتَنا عن التَّنقيب عن الشَّواذ لِنضعْها شمَّاعة نحمِّل الوطن خطأنا فيها، نحن مَن يقرِّر كيف ننتصر للتَّغيير، وكيف نقرأ ممارساتنا، وكيف نبني مستقبل أوطاننا، وكيف نتعايش مع غيرنا، وكيف نستطيع أن نكُونَ مواطنين ناجحين فاعلين قادرين على الوفاء لأوطاننا، يمتلكون المسؤوليَّة ويقدرون الأمانة المُلقاة على عاتقهم، ويدركون موقعهم في عالَم يتصارع فيه الكبار وتتقاطع فيه الأحداث، لِتظلَّ السِّياسة العُمانيَّة ثوابت خالدة وإرثًا ماجدًا لا تتغير بتغيُّر الأفراد ولا تتأثر بتسارع الأحداث؛ مستمدِّين هذه الثِّقة والإيمان من عظَمة دِيننا، وقوَّة حضارتنا وسُموّ ثقافتنا وعُمق تأريخنا وصدق سياستنا وتسامح منهجنا، مدركين لأهميَّة الحُب بَيْنَنا، منطلقِين من مبدأ فلنقلْ خيرًا أو لِنصمُتْ، لن تصنعَ الأوطان كثرة الأحاديث عن عيوب الآخرين، أو إشغال النَّفْس بمهاترات الردِّ على بعض المتنكِّرين، أو إشعال شبكات التَّواصُل الاجتماعي والسناب شات بتغريدات المتفيقهِين لجعلِها محور التَّغيير.. إنَّنا نفقد بذلك جماليَّات أوطاننا، ونتخلَّى عن تضحيتنا ووحدتنا، ونتملَّص من مهامنا ومسؤوليَّاتنا.

لا تظلموا أوطانكم، فهي أعظم نِعم الله عَلَيْكم، حياتكم الَّتي تنبض بالأمل، بالحُب، بالسَّعادة، كونوا خير حافظين لحِماها، عارفين بحقوقها، مدركِين لعطائها، مجاهدين لنهضتِها، منطلقِين لخدمتها، خير شاهد على منجزاتها، صادح بحُبها، شادٍ بترانيمها، بالحُب مؤتلفة، وبالإنسانيَّة مشتركة، خير مَن يفتح قلبَه وعقلَه لِيعيشَ الوطن في كُلِّ تجلِّياته، ويفتح نوافذ الأمل في كُلِّ أروقته، وينظر للجَمال في كُلِّ أغصانه وزواياه، لِنصنعَ من أجْل أوطاننا عَقد وفاء واتِّفاق، يجنِّبنا الشَّطط ويُبعدنا عن مسالك الزَّلل، ويرقى بذاتنا عِندَ أيِّ سُلوك يُثير في أنْفُسنا الرِّيبة وعدم الثِّقة، وأعجب كُلَّ العجب من الَّذين يخلطون الأوراق، ويقرؤون المفاهيم بالمقلوب، يساومون على الأوطان في سُوق البورصات وموازين الرِّبح والخسارة، والمنفعة والمصلحة، ويبيعونها في مزاد الحوافز والمكافآت، أو يقيسونها في تسعيرة وقود، أو ارتفاع في مواد الاستهلاك، أو زيادة رسوم الخدمات أو يحكمون عَلَيْها في ظلِّ قرارات فرديَّة، وأحكام ارتجاليَّة، والاهتمام بترويج المعلَّبات الفكريَّة الجاهزة، وشكليَّات العناوين البرَّاقة المصحوبة بالسَّلبيَّات والتَّهكُّم والسخريات، لِتعَبِّرَ في حقيقتها عن نمط فكري سقيم، ومنحدر خطير يتَّجه للتَّبعيَّة العمياء، وتحجيم دَوْر العقل والوعي والتَّفكير النَّاقد، في إدارة معطيات التَّحدِّي الفكري الَّذي يعيشه عالَمنا المعاصر، وهو نمط يفتقد لذائقة الجَمال الرَّاقي، ومعيار المروءة والأخلاق السَّامية، في حماقات نرتكبها بِدُونِ توقُّف، وسلوكيَّات نتنافس فيها بِدُونِ خجل، فقد دنَّسنا أنْفُسنا بما تناقلناه من معلَّبات فكريَّة، تتَّسم بالطَّرح السَّاذج، والعبارات الغوغائيَّة، والأفكار المغلوطة، والتَّغريدات العقيمة فيما تطرحه في محتواها أو غاياتها أو مستوى الطَّرح الفكري لها فلم نرحمْ أنْفُسنا، أو نحترم قِيَمنا، وأقنعنا أنْفُسنا بأفكار جزمنا أنَّها فينا أو تُهمٌ ألصقناها بأوطاننا، فأصبحتْ مستساغة لدَيْنا، فضللنا بفعلنا وأضللنا غيرنا، وانعكس ذلك كُلُّه على تعاملنا مع الإشاعة، ونظرتنا للمعلَّبات الفكريَّة الَّتي تصل إِلَيْنا أو نستوردها، أو يصنعها البائسون والمطبِّلون والغوغائيون والمتسلِّقون على أكتاف الترند، لِيصبحَ ثقافة يتقمَّصها الكثيرون، برغبة أو مجاملة أحيانًا أخرى، ولكنَّها ستظلُّ قناعات وأفكارًا تنتشر سمومها، وتبرز تأثيراتها ونتائجها بحجم ما أعطيتْ من اهتمام وتداول بَيْنَنا، فإنَّ لمحتوى المعلَّبات وقت انتهاء صلاحيَّة، عِندَما تفسد العطاء، وتتجاوز القانون، وتخلق الفَوضى، وتُسيء للوطن، أو تحاول أن تبحثَ عن مسارات تصطاد فيها ما يحلو لها، وتغتنم فرصة قلق الشَّباب وحيرته وبحثِه عن العمل أو انتظاره للوظيفة، لِتهمسَ في سمعه وتأخذَه إلى عالَمها وتسيطر على فكره، ليبحثوا عن رصيدهم في الكلمات النَّابية أو الأفكار الضيِّقة أو الطُّموحات الماديَّة الوقتيَّة، والاحتياج القائم على أنانيَّة النَّفْس، وسطوة التَّفكير السَّلبي والانشغال بالتَّفاهات والرُّدود والمجادلات الوقتيَّة، والمجاملات الَّتي تضيِّق عَلَيْهم نوافذ الأمل، وتقلِّل فيهم دوافع العطاء، وتفتح فيهم نشوة التَّنمُّر والتَّمرُّد، بل والانسحاب من المواجهات الَّتي تتطلب الثَّوابت والشَّواهد.

لقَدْ غابتْ عن أذهاننا فكرة التَّمحيص لهذه الأفكار، وما تسطِّره في صفحاتنا وبَيْنَ سطورها من مساوئ أو خربشات تبحر في قعر الكراهية، فألزمنا أنْفُسنا مسؤوليَّة نشْر الإشاعة وتداول الأكاذيب والافتراءات الَّتي باتتْ تنتشر انتشار النَّار في الهشيم حتَّى وإن كانتْ تفتقد لخصائص الجديَّة، أو تبتعد عن روح المسؤوليَّة، أو تتنافى مع مفاهيم الذَّوق واحترام المشاعر، أو تتجافى مع منطق العقل، أو تتعارض مع موجّهات النَّقل، أو تتباعد عن مستندات النَّص، فاتبَّعناها بلمح البصر، وتعاملنا معها بِدُونِ بصيرة، فأوجدتْ في تصرُّفاتنا الغوغائيَّة والهلوسة الفكريَّة، وأوهمتنا بمساحات الحُريَّة العمياء في مواجهة الفساد والإفساد، حتَّى وإن شوَّهنا حقائق الإنجاز، أو ضيَّعنا فرص العطاء، لِتحملَ أبواقها ناكرة للجميل، واقفةً في وجْهِ المعروف، ضاربةً بوَجْه الحياة المشرق وإنجازاتها المخلصة عرض الحائط.

لا تظلموا أوطانكم، فلم تمنعْ عَنْكم ترقية، أو ترفع عَلَيْكم تسعيرة، أو تُسيء إِلَيْكم في سُلوك، لا تضيعوها في معيار المقارنات أو تنتزعوا مِنْها عظم التَّضحيات، أو تحاكموها لبعض القرارات، أو تسلبوها حقَّها من الكرامات والاستحقاقات، أو أن نقحمَها في نقاشاتنا ومجادلاتنا وهفواتنا وإشاعاتنا، نحن من يحقُّ أن تحاكمَنا الأوطان، وتستبدلَ بِنا غيرنا ومَن هُمْ خير منَّا، عِندَما ضعف فينا ضمير المسؤوليَّة، وغلبتْ نزعة الذَّاتيَّة، وقصَّرنا في واجباتنا وأداء مسؤوليَّاتنا، حتَّى أُوهم المواطن أنَّ الوطنَ هو مَن يريد ذلك، فَبِربِّكم كونوا لوطنِكم مخلِصِين، حامدِين شاكرِين، عالِمِين عاملِين، صادقِين مؤتمنِين، راقِين غيورِين، حالِمِين طموحِين، تنالوا الخير وتنعموا بالفضل وتكتسوا الصحَّة وتهنؤوا بالأمن، وتعيشوا الحُب، وتتأملوا الجَمال، فهي لا تريد منَّا سوى الكفِّ عن ثرثرتنا، ومنع مساوئنا؛ لأنَّنا بذلك نظلمها حقَّها، ونُسيء إِلَيْها وإن برَّرنا قصدنا، فلْنكُن لتصرُّفاتنا مُبصرِين، ولسُلوكِنا واعين، ولبعضِنا محترِمِين، ولفكرِنا مهذِّبِينَ، ولقناعتنا موَجِّهِين، ولسعادتنا مُحقِّقِين. إنَّ الأوطان حياة تتأثر بسُلوك أبنائها، تقوى بقوَّتهم، وتتطور بوعيهم، وتتحقق أهدافها بتكاتفهم وتعاونهم، وتنهض بعظيم صبرهم وحكمة إرادتهم، فكونوا لها بلسمًا يزجي عبيره الأرض خيرًا وسلامًا، وشموخًا يصل مداه الثريَّا نورًا وأمانًا، كونوا لأرضه خير حافظ، ولقِيَمه خير مبلِّغ، ولإنجازاته خير شاهد، يؤتكم ربُّكم كفلَيْنِ من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]