غالبيَّة النَّاس والمواطنين البسطاء يعرفون ويتوقعون بأنَّ الإتيكيت هو طريقة أكْلِ الطَّعام (الطَّعام بالسكِّين والملعقة والشَّوكة)، بَيْنَما مفهوم وتعريف الإتيكيت بأنَّه الذَّوق العالي والرَّفيع والسُّلوك المُهذَّب والمؤدَّب للشَّخص أمام الجميع مهما كان المنصب أو الوظيفة. وهذا يعتمد على نواة البروتوكول والإتيكيت ألا وهي العائلة، بعيدًا عن المستوى المادِّي والأرصدة الموجودة في البنوك، قال الله تعالى: (.. يحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافًا..) (البقرة ـ 273). حيثُ نرَى البسطاء من النَّاس ملابسهم وطبيعة حياتهم في غاية التَّرتيب والبساطة والذَّوق الرَّفيع والسُّلوك الأصيل بعيدًا عن التَّباهي وحُب الأنا؛ لأنَّ مفهوم الإتيكيت لا يُبنى على المستوى المالي للشَّخص، وإنَّما يعتمد كثيرًا على رُقيِّ وأصالة الأخلاق وفنِّ التَّعامل مع الآخرين ومهارة المجاملة وإدارة الحديث واستراتيجيَّات العلاقات العامَّة مع بقيَّة النَّاس، بالإضافة إلى فنِّ القيادة والإدارة الحديثة بالحياة العمليَّة والشَّخصيَّة.. وغيرها من الأمور الَّتي نحاضر فيها في أكاديميَّتنا.
أمَّا البروتوكول فهو مجموعة من القواعد والإجراءات الَّتي تكُونُ مرسومةً ومخطَّطًا تنفيذها على الأرض استنادًا إلى تفاهمات مسبقة، سواء التَّحضير لزيارة (رسميَّة أو ثنائيَّة أو زيارة دَولة) لكُلِّ نَوع لها بروتوكول وإتيكيت خاصٌّ فيها من حيثُ إجراءات الاستقبال ومراسم توقيع الاتفاقيَّات واللِّقاءات الجانبيَّة والمباحثات، سواء كانتْ (استراتيجيَّة، خاصَّة، سِريَّة، ثنائيَّة.. وغيرها).
يسألونني كثيرًا عن الاختلافات الَّتي تكاد تكُونُ موجودة في (زيارة دَولة) وما الفَرق بَيْنَها وبَيْنَ البروتوكولات الأخرى في زيارة رسميَّة.. وغيرها، حتَّى في زيارة «دَولة» نلاحظ بعض الاختلافات البسيطة استنادًا إلى المدرسة الدبلوماسيَّة الَّتي يتبعونها. جرتْ بعض التَّعديلات على اتفاقيَّة فيينا 1962م حَوْلَ بروتوكول وإتيكيت الزِّيارات الرَّسميَّة والزِّيارات الرَّسميَّة للدَّولة أو ما تُسمَّى (زيارة دَولةٍ) وهي أرفع زيارة رسميَّة وتحدُث مرَّةً واحدة في زمن هرم الدَّولة، وتأتي ضِمْن دعوة رسميَّة من المستضيف إلى الضَّيف بِنَفْس مستوى الدبلوماسي الهرمي، وتُجرى مراسم استقبال رسميَّة تبدأ من السجَّادة الحمراء بعرضٍ لا يقلُّ (270 سم)، وهذا ما شاهدناه في زيارة «دَولةٍ» ـ على سبيل المثال ـ لوالدِنا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ لكُلٍّ من البحرين ودَولة قطر وآخرها جمهوريَّة روسيا الاتِّحاديَّة، حيثُ تمَّ صبغ ودهان الأرض كأنَّها سجَّادة حمراء بالمطار حين استقبلوا جلالته.
هناك بعض النّقاط المُتَّفق عَلَيْها بروتوكوليًّا وهي: استعراض حرس الشَّرف، عزف النَّشيدَيْنِ الوطنيَّيْنِ، إطلاق المدافع (عادة 21 طلقةً)، لقاءات مع كبار المسؤولين، سواء رجال أعمال أو سياسيِّين، توقيع اتفاقيَّات أو مذكّرات تفاهم، مأدبة عشاء يُقيمها هرم الدَّولة المُستضيفة وتبادل أرفع الأوسمة، زيارات رسميَّة تذكاريَّة لمواقع تاريخيَّة أو عسكريَّة أو ثقافيَّة، تغطية إعلاميَّة شاملة على مدَى وقت الزِّيارة، تحقيق رغبة الطَّرفَيْنِ في توقيع الاتفاقيَّات وإن كانتْ هناك تفاهمات مُجمَّدة أو مُتعثِّرة سابقًا.
من البروتوكولات المُهمَّة أيضًا هو مرافقة طائرة الضَّيف بسربٍ من القوَّة الجوِّيَّة منذُ بداية دخولها أجواء البلد المستضيف.. وتختلف في بعض الأحيان مراسم الاستقبال من بلدٍ إلى آخر دُونَ المساس بجوهر (زيارة دَولةٍ) ـ على سبيل المثال ـ لم نشاهدِ السجَّادة الحمراء في زيارة جلالته إلى مملكة هولندا؛ وذلك بسببِ اتِّباعهم للمدرسة الفرنسيَّة، بالإضافة إلى أنَّ الاستقبال كان تقريبًا شَعبيًّا، حيثُ جرى في باحة مركز المدينة أو ساحة أمام القصر الملكي. ونلاحظ واجهات المحالِّ على جانبَي الاستقبال الرَّسمي وجلالة السُّلطان وملك هولندا وهما يستعرضان حرس الشَّرف لمسافةٍ تزيد عن (200) متر، بَيْنَما هذا لم نلاحظْه في روسيا الاتِّحاديَّة الَّتي تنفرد بإتيكيت خاصٍّ بها ويكاد يكُونُ من ضِمْن مفردات المعسكر الشَّرقي أو الشيوعي الَّذي رسمَ لِنَفْسِه بروتوكولًا وإتيكيتًا خاصًّا به مع المحافظة على باقي المفردات، ومِنْها السجَّادة الحمراء والنَّشيدان الوطنيَّان، وإطلاق المدافع، والسجَّادة الحمراء الَّتي وقف عَلَيْها القائدان بعَرض (3) أمتار، وكذلك أعلام البلد، حيثُ طول سارية العَلم (2.50) متر. بروتوكول زيارة «دَولةٍ» يبقَى هو الأرفع والأعلى ضِمْن الزِّيارات الرَّسميَّة للدَّولة؛ لِمَا له فوائد جمَّة على جميع المستويات المرسومة له، سواء الاقتصاديَّة أو الثَّقافيَّة أو الصحيَّة أو التربويَّة أو الاتِّفاق على تبادل الخبرات، وكذلك الاستثمارات بمختلف المجالات، ومِنْها الطَّاقة المُتجدِّدة والنِّفط والغاز والزِّراعة، وكُلُّ هذه الاتفاقيَّات تصبُّ في خدمة ومستقبل المواطن إيجابيًّا لكلا البلدَيْنِ الَّتي تربو إلى الازدهار والاستقرار والتَّقدُّم، لذلك تندرج زيارة «دَولةٍ» تحت مظلَّة الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة كوسيلةٍ لِتَحقيقِ أهداف السِّياسة الخارجيَّة للدَّولة، وكذلك تهدف إلى تعزيز مصالح الدَّولة الاقتصاديَّة على السَّاحة الدّوليَّة من خلال العلاقات الدبلوماسيَّة والتِّجاريَّة والماليَّة وجذب الاستثمارات، وتأسيس صندوق استثماري ضخم يخدم البلدَيْنِ.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت