تأتي زيارة «دَولة» الَّتي يَقُوم بها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى الجزائر في إطار العلاقات المتميِّزة الَّتي تجمع البلدَيْنِ الشَّقيقَيْنِ والشَّعبَيْنِ العربيَّيْنِ، والَّتي لهَا جذور ضاربة في أعماق التَّاريخ. ويسعَى البَلدانِ إلى الارتقاء بهذه العلاقات الأخويَّة الممتدَّة لأكثر من نصف قرن، منذُ قيام النَّهضة العُمانيَّة، حيثُ كانتِ الجزائر في طليعة الدوَل العربيَّة الَّتي أقامتْ علاقات دبلوماسيَّة مع سلطنة عُمان بعد انفتاحها على العالَم، كما كانتْ من أوائل الدوَل العربيَّة الَّتي زارها المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ جلالة السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ في العام 1973م لحضورِ القمَّة العربيَّة الَّتي استضافتها الجزائر، تحت قيادة رئيسها الرَّاحل هواري بومدين أحَد أبطال التَّحرير في الثَّورة الجزائريَّة، وشكَّلتْ زيارة الرَّئيس الجزائري الشَّاذلي بن جديد لسلطنة عُمان في العام 1990 نقلةً مهِمَّة في منحنى العلاقات بَيْنَ الدَّولتَيْنِ، والَّتي أعقبَها تشكيل اللَّجنة العُمانيَّة الجزائريَّة المشتركة والاتِّفاق على دَوْريَّة انعقادها في البلدَيْنِ، والَّتي رافقَها زيارات متبادلة بَيْنَ مسؤولي البلدَيْنِ، لبحثِ مجالات التَّعاون السِّياسي والاقتصادي المُتعدِّدة بين البلدَيْنِ.
وشهدتِ العلاقات تطوُّرًا ملحوظًا منذُ توَلِّي جلالة السُّلطان هيثم بن طارق مقاليد الحُكم في يناير 2020م، وحرصه على تمتين علاقات سلطنة عُمان الخارجيَّة، خصوصًا مع الدوَل العربيَّة الشَّقيقة، حتَّى كانتْ زيارة الرَّئيس عبد المجيد تبون لمسقط في أكتوبر الماضي، والحفاوة الَّتي استُقبل بها من أخيه جلالة السُّلطان المُعظَّم والشَّعب العُماني، والَّتي أكَّد خلالها القائدان تكثيف التَّعاون في مختلف المجالات، ومتابعة تنفيذ البرامج والاتفاقيَّات المُوقَّعة بَيْنَ البلدَيْنِ، وإنشاء صندوق استثمار عُماني جزائري، يتمِّ من خلاله تمويل إنشاء مشاريع مشتركة في البلدَيْنِ بمجالات الطَّاقة والبتروكيماويَّات والزِّراعة الصحراويَّة والتكنولوجيا والسِّياحة، وغيرها من التَّخصُّصات الَّتي للبلدَيْنِ تميُّز نَوعي فيها، كما أكَّد الزَّعيمان دعمهما للقِطاع الخاصِّ في البلدَيْنِ، ودَعَيا لِتَعزيزِ دَوْره في الشَّراكة بالمجال الصِّناعي والتَّبادل التِّجاري، والاستفادة من أسواق البلدَيْنِ، وموقعهما الاستراتيجي في غرب آسيا وشمال إفريقيا، في النُّهوض بالصَّادرات الوطنيَّة، وتسهيل وصولها للأسواق العالَميَّة والإقليميَّة.
كما شهدتِ الزِّيارة توقيع مذكّرات تفاهم في مجالات الاستثمار وتنظيم المعارض والمؤتمرات، والتَّربية والتَّعليم، والبيئة والتَّنمية المستدامة، والخدمات الماليَّة، والتَّشغيل والتَّدريب والإعلام.
ويجمع سلطنة عُمان والجزائر موقف موَحَّد تجاه القضايا العربيَّة والإقليميَّة والدّوليَّة الرَّاهنة، فقَدْ أكَّد البَلدانِ ضرورة الوقف الفوري للعدوان «الإسرائيلي» على الأراضي الفلسطينيَّة، وأدانا حرب الإبادة الجماعيَّة الَّتي تشنُّها «إسرائيل» على غزَّة، وأكَّدا حقَّ الأشقَّاء الفلسطينيِّين في إنهاء الاحتلال غير المشروع وإقامة دَولتهم المُستقلَّة وعاصمتها القدس الشَّرقيَّة على أساس حلِّ الدَّولتَيْنِ، كما أدانا العدوان «الإسرائيلي» على لبنان وسوريا وإيران.
وهناك تنسيق دائم بَيْنَ سلطنة عُمان والجزائر في المحافل الإقليميَّة والمنظَّمات الدّوليَّة، بما يخدم مصالح الدَّولتَيْنِ ويُعزِّز العمل العربي المشترك، ويُقوِّي دعائم الأمن والسِّلم والاستقرار في المنطقة والعالَم، مع ترسيخ التَّوَجُّهات السِّلميَّة، وتعزيز قيم التسامح والتعاون، من خلال إرساء القانون الدّولي واحترام الشَّرعيَّة الدّوليَّة ومبادئ العدل والإنصاف، واحترام سيادة الدوَل وعدم التَّدخُّل في شؤونها الدّاخليَّة.
يعوِّل البَلدانِ على زيارة جلالة السُّلطان هيثم ـ أعزَّه الله ـ لأخيه الرَّئيس عبدالمجيد تبون، لِتَطويرِ مسار العلاقات الثُّنائيَّة، وجَنْي ثمار التَّعاون المشترك بَيْنَ البلدَيْنِ خلال السَّنوات القليلة الماضية، واستشراف المستقبل معًا من أجْلِ خير وتقدُّم البلدَيْنِ والشَّعبَيْنِ الشَّقيقَيْنِ، بفضل اتِّفاق رؤية وتوَجُّهات قيادتَي البلدَيْنِ، اللَّذيْنِ طالما أكَّدا حرصهما على تطوير العلاقات الثُّنائيَّة على كافَّة المستويات، من أجْلِ مستقبل أكثر إشراقًا لسلطنة عُمان والجزائر.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري