يأتي الحديث المُتعلق بشأن تفكيك وكالة أونروا، وإحالتها على التَّقاعد منذُ وقتٍ طويل، في سياقات اللُّعبة القديمة/المُستجدَّة، الَّتي تحاول الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة ودَوْلة «الاحتلال الإسرائيلي» تمريرها في مسار شطب وإنهاء حقِّ العودة؛ نظرًا لِمَا ترمز إِلَيْه وما تعنيه وكالة (أونروا). فكُلُّ ذلك، يجري من أجْل وأدِ وإنهاء معنى ومضمون هيئة الأُمم المُتَّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين في الشَّرق الأدْنى (أونروا) والَّتي جرَى تأسيسها عام 1949 وفقَ القرار الأُممي 302، وربط بَيْنَ استمرار عملها وتنفيذ القرار الأُممي 1948 الخاصِّ بحقِّ اللاجئين الفلسطينيِّين بالعودة إلى وطنهم التَّاريخي ربطًا مع استمرار مهامها. الحرب على (وكالة أونروا) تستعر الآن مع سيطرة سُلطات الاحتلال على المعابر ومنع تدفُّق مُقوِّمات الحياة للقِطاع، أو بالأحرى تجويع وتعطيش شَعبنا في القِطاع، وهو ما دفعَ بالأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة أنطونيو جوتيريش ومفوّض عام الوكالة للتَّنديد بالحصار «الإسرائيلي». وكالة (أونروا) شاهد تاريخي وقانوني وأُممي على نكبة فلسطين، وشاهد أيضًا على عمليَّة الترانسفير والتَّطهير العِرقي الَّذي جرَى بحقِّ الشَّعب الفلسطيني، والحافظ الأمين لسجلَّات لاجئي فلسطين من الآباء إلى الأحفاد. معركة الدِّفاع عن استمرار عمل ومهام وكالة أونروا، تُمثِّل في الجانب المًهمِّ مِنْها معركة الرِّواية والسرديَّة الفلسطينيَّة في وَجْه التَّزوير الصُّهيوني الأميركي البريطاني وبعض الغرب لنكبة فلسطين. إنَّها بالفعل معركة كتابة التَّاريخ الَّذي يحاولون تزويره. إنَّ بقاء وكالة أونروا على رأس عملها يأتي طبقًا لقرار تأسيسها الرَّقم (302) في الثَّامن من كانون الأوَّل/ديسمبر 1949، وربطًا بالقرار الرَّقم (194) الصَّادر في الحادي عشر من كانون الأوَّل/ديسمبر 1948، والخاصِّ بحقِّ اللاجئين الفلسطينيِّين بالعودة. فاستمرار وكالة أونروا في عملها لا ينتهي إلَّا بعد تنفيذ القرار الرَّقم (194) الخاصِّ بحقِّ العودة، وانطلاقًا من ذلك يتمُّ كُلَّ ثلاث سنوات تجديد ولاية الوكالة، وكان آخر تجديد في حزيران/يونيو 2023.في هذا المجال، أعودُ في ذاكرتي الشَّخصيَّة لأنبشَ دفترًا من دفاترها المُختزنة، فقَدْ كنتُ في المرحلة الابتدائيَّة تلميذًا في مدرسة ذات دوام نصفي (صرفند+ النّقب)، بجوار مدارس (الفالوجة+ سخنين)، و(صبارين+ نمرين) في مُخيَّم اليرموك. وقد قام المفوّض العامُّ للوكالة عام 1971 وكنتُ في السَّادس الابتدائي، وأحفظ اِسْمَه تمامًا في ذاكرتي، وهو الأميركي (لورنس مايكلمور)، بزيارة سوريا، وتفقُّد مؤسَّسات الوكالة، ومِنْها مدرستنا أثناء الدَّوام، عِندَما تقرَّر أن نكُونَ كتلاميذ جاهزين في باحة المدرسة مع وصول المفوّض العامِّ. وتمَّ تكليفي كتلميذ بإلقاء كلمة قصيرة جدًّا من عدَّة أسْطُر، وكانتْ تُترجم له من خلال موَظَّفة فلسطينيَّة برئاسة الوكالة بدمشق. أهمُّ ما وردَ بالأسْطُر القليلة الَّتي ألقَيْتُها بسنوات بدايات فتوَّتي: شكرًا للمُجتمع الدّولي على تبرُّعاته السَّخيَّة للوكالة، ودَوْرها في رعاية شَعبنا. ونحن على عهدِ التَّحصيل العلمي. كما ونحن بانتظار العودة إلى فلسطين. ونطلبُ الإسراع في تنفيذ عودتنا إلى أرضنا وأهلنا وشملنا في فلسطين.
دارتِ السَّنوات، لِيَقُومَ الأمين العامُّ للأمم المُتَّحدة عام 1999 (كوفي عنان) بزيارة مُخيَّم اليرموك، ومراكز الوكالة، ومِنْها مدرسة الفالوجة، لِيستقبلَ من قِبل المُعلِّمين والمُعلِّمات... ثمَّ يبدأ بمصافحة بعض بنات المدرسة من التّلميذات ومِنْهنَّ ابنتي دانية، الَّتي حاولتِ الحديث معه بكلماتٍ إنجليزيَّة قَبل أن تتقنَها بشكلٍ جيِّد.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك