الجمعة 02 مايو 2025 م - 4 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : استثمار فـي الإنسان على طريق التحول الوطني

الأربعاء - 30 أبريل 2025 06:35 م

رأي الوطن

30

في خطوةٍ تنمُّ عن وعيٍ استراتيجي عميق بحجم التَّحدِّيات والفرص الَّتي يفرضها سُوق العمل الحديث، أطلقَ جهاز الاستثمار العُماني النُّسخة الثَّالثة من برنامج (معتمد)، لِيُعزِّزَ موقعَه ليس فقط كمستثمِر في الأُصول الاقتصاديَّة، بل أيضًا كمؤسَّسة تنمويَّة تستثمِرُ في الإنسان العُماني بوصفِه العنصر الأهمَّ في معادلة التَّنمية الشَّاملة. ويأتي البرنامج استمرارًا لنهجٍ مؤسَّسي قائمٍ على تأهيل الخرِّيجِين وتمكينِهم، عَبْرَ تزويدهم بالمهارات والشَّهادات المهنيَّة المعترف بها عالَميًّا، الَّتي أصبحتْ مطلبًا أساسًا في بيئات العمل التَّنافسيَّة. فالبرنامج لا يُمثِّل مجرَّد مبادرة تدريبيَّة، بل يُشكِّل تدخلًا مدروسًا لسدِّ فجوةٍ حقيقيَّة في سُوق العمل، خصوصًا في القِطاعات ذات الطَّلب العالي على الكفاءات التَّخصُّصيَّة مِثل المُحاسبة والأمن السّيبراني، كما أنَّ توفير فرص تدريبيَّة مقرونةٍ بالتَّوظيف فَوْرَ الحصول على الشَّهادات يُعَدُّ نقلةً نَوعيَّة في فلسفة البرامج الحكوميَّة، إذ يربط بَيْنَ التَّأهيل والفرصة، وبَيْنَ الطُّموح والإنجاز المِهني الفعلي.

تنبع أهميَّة (معتمد) من كونه منصَّةً وطنيَّة متكاملة تُعِيد تعريف العلاقة بَيْنَ مؤسَّسات التَّدريب وسُوق العمل، من خلال مواءمة دقيقة بَيْنَ البرامج المقدَّمة واحتياجات القِطاعات المتنامية. فإدراج مسار الأمن السيبراني في النُّسخة الثَّالثة من البرنامج لا يُمكِن اعتباره مجرَّد إضافة تخصُّصيَّة، بل هو استجابة عمليَّة لحالة التَّحوُّل الرَّقمي الَّتي تشهدها السَّلطنة والعالَم، وما تفرضه من ضرورة تعزيز حماية البيانات والبنية الأساسيَّة الرَّقميَّة، وتؤكِّد التَّجربتان السَّابقتان للبرنامج هذه الجدوى، حيثُ تمكَّن (50) مُرشَّحًا من اجتياز المتطلَّبات المهنيَّة بنجاح، ما يعكس جودة التَّدريب، وفعاليَّة معايير الاختيار، ودقَّة التَّوجيه. وتُعَدُّ الشهادات المهنيَّة مِثل شهادة المُحلِّل المالي المعتمد أو شهادة جمعيَّة المُحاسبِين القانونيِّين المعتمدِين معيارًا عالَميًّا للكفاءة، ما يفتح للمُشارِكِين أبوابًا واسعة للعمل في مؤسَّسات محليَّة ودوليَّة، هذا النَّجاح يؤكِّد أنَّ البرنامج لم يُصمَّم كحلٍّ مؤقَّت للبطالة، بل كأداةٍ استراتيجيَّة لإنتاج قوى عاملة مؤهَّلة بامتياز.

اللافت في تصميم البرنامج هو التَّركيز على استقطاب الكفاءات الجادَّة عَبْرَ اشتراطات دقيقة تشمل حصول المتقدِّم على معدَّل تراكمي لا يقلُّ عن (2.7)، وتخصُّصات مُحدَّدة مطلوبة في سُوق العمل، إلى جانب كونه باحثًا نشطًا عن عمل، وهذه الاشتراطات لا تُقصي، بل تهدف إلى رفع مستوى التَّحدِّي وتوجيه الجهود نَحْوَ فئة تمتلك القابليَّة للتَّميُّز والتَّطوُّر.. ومن خلال هذا الانتقاء المدروس، يتمُّ توجيه الموارد والفرص نَحْوَ مَن يُمكِنهم بالفعل تحقيق الاستفادة القصوى، ما يُعزِّز من كفاءة سُوق العمل، ويُقلِّص الفجوة بَيْنَ مخرجات التَّعليم، واحتياجات القِطاع الخاصِّ، كما أنَّ تركيز البرنامج على القِطاعات الأكثر نُموًّا، مِثل تقنيَّة المعلومات والأمن السّيبراني، يُعبِّر عن وعيٍ تنموي يُواكب الاقتصاد العالَمي، ويضع عُمان على مسار التَّطوُّر التكنولوجي بطريقة منهجيَّة، بل ومن جهة أخرى، يُعزِّز هذا التَّوَجُّه من الجاهزيَّة الوطنيَّة لِمُواجهةِ التَّحدِّيات الأمنيَّة الرَّقميَّة الَّتي باتَتْ من أولويَّات الأمن القومي والاقتصادي للدوَل.

في المجمل يعكس برنامج (معتمد) فلسفة تنمويَّة عُمانيَّة متقدِّمة، تؤمن بأنَّ الاستثمار في الإنسان هو أعظم أشكال الاستثمار على الإطلاق.. فرؤية جهاز الاستثمار العُماني لا تقف عِندَ حدود تعظيم العائد المالي من المشاريع، بل تمتدُّ لِتشملَ تعظيم العائد المُجتمعي عَبْرَ بناء جيل جديد من الكفاءات المُتخصِّصة القادرة على قيادة التَّحوُّل الاقتصادي والمعرفي. ويُشكِّل البرنامج نموذجًا يُحتذى به، إذ يدمج بَيْنَ الاستراتيجيَّة الوطنيَّة في التَّوظيف، ورفعِ نِسَب التَّعمين، وتطوير الكفاءات، في إطارٍ واحد متماسكٍ ومبنيٍّ على معايير مهنيَّة واضحة. ومن هذا المنطلَق، ينبغي لمؤسَّسات الدَّولة كافَّة، وكذلك القِطاع الخاصّ، أن تحذوَ حذوَ الجهازِ، وتستثمر بجديَّة في البرامج المُماثلة؛ لِتَكوينِ منظومة وطنيَّة قادرة على صناعة المستقبل. ولعلَّ الأثَر التَّراكمي لِمثلِ هذه المبادرات هو ما سيُحدِث التَّحوُّل الحقيقي الَّذي تنشده رؤية «عُمان 2040»، من خلال تعزيز التَّنافسيَّة، وتمكين الشَّباب، وصناعة اقتصاد مستدام بقيادة عقول وطنيَّة متمكنة.