يُعَدُّ مَعرِض مسقط الدّولي للكِتاب نافذة وواجهة مُشرقة للثَّقافة العُمانيَّة الأصيلة.. كما يُعَدُّ ترجمة حقيقيَّة لاهتمام القيادة الحكيمة بعقل المواطن وللحرصِ السَّامي على توفير غذاء الرُّوح له، إلى جانب أنَّه يُعَدُّ عامل جذب سياحي مهمّ خصوصًا لنخبة المثقَّفين الَّذين يحرصون على التَّعرُّف على أحدَث الإبداعات الَّتي فرضتْ نَفْسها على السَّاحة، بالإضافة إلى التَّعرُّف على الكتَّاب بصورة أعمق.
وتعيش البلاد هذه الأيَّام عرسًا ثقافيًّا مهمًّا ينتظره العُمانيون كُلَّ عام على أحرِّ من الجمر وهو مَعرِض مسقط الدّولي للكِتاب الَّذي يرفل في نسخته التَّاسعة والعشرين وسط جهود ملموسة للتَّجديد والارتقاء بفعاليَّاته.. حيثُ من الملاحظ أنَّ القائمين على المَعرِض يجتهدون كُلَّ عام لتطويرِه وإخراجه في ثوب جديد يساعد على جذب القرَّاء والمُتابعِين لهذا الحدَث الثَّقافي الكبير.
ونسخة هذا العام انطلقتْ عَبْرَ شعار «التَّنوُّع الثَّقافي ثراء للحضارات العالَميَّة» وهو ما يجسِّده المَعرِض بالفعل.. فالتَّنوُّع سِمته من حيثُ تنوُّع المجالات والتَّخصُّصات الَّتي تضمُّها الكتب بَيْنَ دفَّتَيْها من علوم وآداب وفنون وغيرها، سواء كانتْ عصريَّة أو قديمة أثريَّة.. ومن حيثُ تنوُّع الدول المشاركة والَّتي وصلَ عددها (674) دار نشرٍ من (35) دَولة بإجمالي عناوين وإصدارات بلغتْ (681) ألفًا و(41) عنوانًا ما بَيْنَ عُمانيَّة وعربيَّة وأجنبيَّة تتنافس في تقديم إصداراتها المختلفة وما تحتويه من معلومة علميَّة أو مقطوعة أدبيَّة أو نثريَّة أو شعريَّة للحصول على رضا الزَّائرين وتحقيق أكبر نسبة من الشِّراء.. ناهيك عن الفعاليَّات الَّتي تجاوزتْ (200) فعاليَّة ثقافيَّة تتنوَّع بَيْنَ ندوات وحلقات ومحاضرات وأُمسيات شعريَّة إلى جانب وجود (155) فعاليَّة خاصَّة بالأطفال والَّتي تُبرهن على الحرص السَّامي على رعاية الأطفال وتنمية قدراتهم، وبناء وعي الأجيال القادمة من خلال توفير بيئة معرفيَّة شاملة تُلبِّي كافَّة احتياجاتهم وتُعزِّز مهارات التَّفكير والتَّواصُل لدَيْهم، وتفتح أبواب الإبداع أمامهم وتواكب أحدَث التقنيَّات العالَميَّة.. فأبناء اليوم هم رجال المستقبل، حماة الوطن وركيزته التَّنمويَّة.. وبالتَّالي هم شركاء الحاضر والمستقبل أيضًا.
الجميل أنَّ ضَيْفَ شرفِ هذه الدَّوْرة محافظة شمال الشَّرقيَّة حيثُ يتمُّ تسليط الضَّوء على أهمِّ المآثر التَّاريخيَّة والمفردات الحضاريَّة لها، والتَّعريف بأعلامها الشَّامخين في مجالات الثَّقافة والفنون، وهو ما يعني أنَّ المَعرِض سيساعد بشكلٍ كبير على توصيل كُلِّ ما تحتويه المحافظة من حضارة وإرث تاريخي وثقافي واجتماعي مُهمٍّ لمرتادي المَعرِض.
لا شكَّ أنَّ الفعاليَّات الَّتي تُقام على هامش المَعرِض تستقطب الكثير من الجمهور الَّذين ينتظرونها كُلَّ عام للتَّمتُّع بما تحتويه من معلومة ثقافيَّة مُهمَّة والالتقاء بالأُدباء والكتَّاب والمفكِّرين والشُّعراء الَّذين يتفاعلون مع القرَّاء من خلال ندواتهم وصالوناتهم وأُمسياتهم الثَّقافيَّة الأخرى.
كذلك فإنَّ ركْنَ الأُسرة والطِّفل والفعاليَّات الفنيَّة والحلقات، سواء في مجال التَّصوير أو المسرح أو الموسيقى أو الرَّسم وغيرها جميعها تُعَدُّ متنفسًا حيًّا لإبراز المواهب وممارسة الهوايات وتنمية المهارات مع استقاء المعلومة العلميَّة والتَّعليميَّة المُفيدة.
لقَدْ شهدَ مَعرِض مسقط هذا العام حضورًا قويًّا للكِتاب العُماني، حيثُ شاهد كُلُّ مَن زار المَعرِض مئات الإبداعات الجديدة للمثقَّفين العُمانيِّين، وهو ما يعني أنَّ الحراك الثَّقافي في سلطنة عُمان يشهد تطوُّرًا ملحوظًا، وهذا ما نتمنَّى أن نشهدَه كُلَّ عام.. فإبداعات الكاتب العُماني لا يَجِبُ أن تقتصرَ على السَّاحة المحليَّة فقط، بل ينبغي أن تتوسَّعَ وتصلَ إلى الآفاق العربيَّة والعالَميَّة لِنَشرِ الرُّؤية والحضارة العُمانيَّة في كُلِّ مكان.
لا شكَّ أنَّ مَعرِض الكِتاب فرصة ذهبيَّة لتعريفِ الآخر بعاداتنا وتقاليدنا؛ ففعاليَّاته المختلفة وإصداراته خير سفير يروِّج للَّسلطنة وما تتضمنه من حضارة وتراث عريق، ويعمل على تقريب وجهات النَّظر والرُّؤى الفكريَّة بَيْنَ بَني البَشَر.. كما أنَّه يُعَدُّ مجالًا حيويًّا للتَّسويق للكِتاب الورَقي.. ولعلَّ أجملَ ما في المَعرِض هذا العام هو الإقبال غير المسبوق على زيارته وعلى شراء الكتب، والَّذي يدلُّ على أنَّ الشَّباب أصابهم المَلَل من الإصدارات الرَّقميَّة الَّتي تعجُّ بها الشَّبكة العنكبوتيَّة، وأنَّهم اشتاقوا للمطبوعات الورقيَّة، وهذا يعني أيضًا أنَّ الكِتاب الورقي سيظلُّ يحتفظ دائمًا بمكانته، ويستطيع أن يواجِهَ التَّحدِّيات حتَّى ولو أفلَ نجمُه لفترةٍ وجيزة فإنَّه يَعُودُ أكثر تألقًا من ذي قَبل، ويثبت أنَّه خير صديق. إنَّ مَعرِض مسقط للكِتاب أثبتَ هذا العام أنَّه مَعرِض دولي ولكن بصبغةٍ ونكهة عُمانيَّة.. فهو لم يَقلّ تنظيمًا وأهميَّة عن أيِّ مَعرِض عالَمي، بل عزَّز من دَوْر السَّلطنة الثَّقافي، وأثبتَ ريادتها في احتضان المهرجانات الدّوليَّة المختلفة.
نتمنَّى لمَعرِض مسقط الدّولي للكِتاب النَّجاح، وأن يظلَّ دائمًا وأبدًا واجهة السَّلطنة الثَّقافيَّة المُشرقة الَّتي تشعُّ علمًا وثقافة وريادة.. وكُلّ التَّحيَّة للقائمين على المَعرِض على ما قدَّموه من جهدٍ ملموس حتَّى يخرجَ في هذه الحلَّة البهيَّة.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني