الجمعة 02 مايو 2025 م - 4 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

فن الدبلوماسية.. الذكاء الاصطناعي وسمات الدبلوماسية الاقتصادية

فن الدبلوماسية.. الذكاء الاصطناعي وسمات الدبلوماسية الاقتصادية
الثلاثاء - 29 أبريل 2025 01:46 م

د. سعدون بن حسين الحمداني

30

تُعرف الدبلوماسيَّة بأنَّها هي استراتيجيَّة وأداة الحكومة لغرضِ تحقيق أهدافها السِّياسيَّة الخارجيَّة والتَّأثير على جميع الهيئات والدوَل والمنظَّمات والمؤسَّسات الخارجيَّة بهدف كسبِ تأييدها، وتحقيق أهدافها مهما كانتْ مجالاتها (اقتصاديَّة، سياسيَّة، عسكريَّة). ويرَى بعض المُختصِّين في فنِّ وعِلم الدبلوماسيَّة أنَّ مفهوم الدبلوماسيَّة الحديث يستند إلى مفردات الذَّكاء الاصطناعي؛ لأنَّها مهنة دقيقة تحتاج إلى كاريزما وشخصيَّة بارعة في فنِّ الاتِّصال والتَّواصُل الاجتماعي والإقناع. ويذهب قِسم من بعض المدارس الدبلوماسيَّة بأنَّها أكثر اعتدالًا، حيثُ تضع الطَّفرات التكنولوجيَّة وسِمات الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة بعيدًا عن النَّظريَّات والأيديولوجيَّات التَّوَسُّعيَّة والتَّطرُّف الحزبي والقومي والدِّيني وأيديولوجيَّات الأحزاب الَّتي لها أهداف محدودة المعالِم. من الصَّعب جدًّا تغطية هذه العلوم بمقالٍ واحد وهي: (الدبلوماسيَّة، الذَّكاء الاصطناعي، الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة) لِكَونِ هذه العلوم مُتفرِّعة ومُتشعِّبة ومُتنوِّعة وتختلف بالتَّكتيك والاستراتيجيَّة، بالإضافة إلى أنَّها تعتمد على مهارة التَّخطيط والتَّنفيذ وكفاءة العمل بالنِّسبة إلى البعثات الخارجيَّة، وكيفيَّة التَّطبيق والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة الَّتي تتطوَّر بسرعة رمشة العين يوميًّا. بدأتْ بعض مفاهيم الذَّكاء الاصطناعي ترتبط بالأقمار الاصطناعيَّة لِتعرفَ ما في باطن الأرض من معادن وثروات لِتثبتَ ذلك إلى أصحاب الأرض والدوَل عن طريق بعثاتها الخارجيَّة، لِيبدأَ موسم ووقت الاستثمار الاقتصادي أو بالأحرى الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة الَّتي اعتمدتْ على الذَّكاء الاصطناعي.

وتحوَّلتِ التَّوَجُّهات المركزيَّة من السِّياسيَّة إلى الهيمنة الاقتصاديَّة والَّتي تفرض نَفْسَها بقوَّة على سياسة وتحرُّكات وسِمات الدَّولة، حيثُ بدأتِ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة في نهاية القرن الماضي تؤدِّي دَوْرًا جوهريًّا في وضعِ ورسمِ هُوِيَّة وقوَّة ورصانة الدَّولة داخل حدودها أو خارجها، وبدأتِ المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة وبعض الجامعات البريطانيَّة العريقة بتحليل ودراسة نقاط القوَّة والضَّعف في مجال الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة الَّتي ترفد ميزانيَّة وخزينة الدَّولة بأعلى مستويات الموارد الاقتصاديَّة وبمختلف تفرُّعاتها.

واستوحتِ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة من نظريَّات العالَم الفرنسي مبادئ جوهريَّة للانطلاق إلى عام الواقعيَّة، والعمل على الأرض مستندةً إلى الفروق بَيْنَ مستويات الإدارة الثَّلاثة بشكلٍ عامٍّ وهي كالآتي: الإدارة العُليا تضع الأهداف والاستراتيجيَّات قصيرة وبعيدة المدَى، الإدارة الوسطى تَقُومُ بتحويل هذه الأهداف إلى خططٍ قابلة للتَّنفيذ، الإدارة الدُّنيا تَقُومُ بتحويل هذه الخطط إلى مهامَّ يتمُّ تنفيذها في مسار العمل اليومي. إنَّ مفهوم سِمات الذَّكاء الاصطناعي والأقمار الاصطناعيَّة الَّتي تلتقط كميَّات ضخمة من البيانات يوميًّا، سواء كانتْ صورًا فضائيَّة، قراءات طقس، أو تحرُّكات جيولوجيَّة والذَّكاء الاصطناعي، يؤدِّي دَوْرًا رئيسًا في تحليل الصُّوَر الفضائيَّة باستخدام تقنيَّات مِثل: التَّعلُّم العميق، وكذلك يُمكِن للذَّكاء الاصطناعي اكتشاف التَّغيُّرات في سطح الأرض، مِثل: إزالة الغابات، الفيضانات، أو التَّوَسُّع العمراني. كما أنَّ أحدَث أجندة للذَّكاء الاصطناعي هي التَّنبُّؤ بالظَّواهر الطَّبيعيَّة من خلال تحليل بيانات الطَّقس والمناخ من الأقمار الاصطناعيَّة، وتوقُّع الكوارث الطَّبيعيَّة مثل الأعاصير، الجفاف، أو الحرائق والَّتي تُتابع من قِبل البعثات الخارجيَّة لضمانِ سلامة الجاليَّات الموجودة هناك، بالإضافة إلى الاستفادة من البيانات الجيولوجيَّة وما موجود في باطن الأرض لِتبرقَ بها إلى وزارة خارجيَّتها لغرضِ الاستفادة من هذه الشَّركات العالَميَّة المُتخصِّصة بهذه العلوم؛ وبالتَّالي فإنَّ القرار المركزي يستند إلى توصية البعثة الموجودة في تلك الدَّولة؛ لغرضِ الاستفادة مِنْها، ومعرفة ما هو موجود من موارد طبيعيَّة غير مكتشفة من قِبل الدَّولة نَفْسها. ويساعد الذَّكاء الاصطناعي في إدارة الموارد الطَّبيعيَّة بشكلٍ أكثر كفاءة واستدامة من خلال الكشف عن المعادن والثَّروات وتحليل الصُّوَر الجويَّة والبيانات الجيولوجيَّة لِتَحديدِ أماكن وجود معادن أو نفط، وحتَّى الثَّروة الزِّراعيَّة وأوقات الحصاد وكميَّة المياه المطلوبة. وسِمات الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة النَّاجحة والمتميِّزة هي وجود الصَّلاحيَّات والقرار المركزي وقوَّة وذكاء وكفاءة الموارد البَشَريَّة، سواء على مستوى الوزراء أو السُّفراء أو رؤساء البعثات الدبلوماسيَّة بالخارج. ولا شَكَّ أنَّ جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ يحمل راية الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة بكُلِّ اقتدار وحكمة ورؤية ثاقبة من خلال زياراته إلى كثير من الدوَل الشَّقيقة والصَّديقة، كان آخرها إلى هولندا وروسيا؛ لِمَا تجسِّد هذه الزِّيارات من تبادُل المصالح المشتركة وتوقيع الاتفاقيَّات الاقتصاديَّة بالموارد المتوافرة في عُمان الحبيبة، ولقائه برجال الأعمال المُتخصِّصين بمجال الصِّناعة، فمثلًا مملكة هولندا تمَّ توقيع اتفاقيَّات في (مجال الهيدروجين المُسال، تطوير البنية الأساسيَّة لنقل الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون عَبْرَ خطوط الأنابيب، لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر)، وكذلك في روسيا هناك اتفاقيَّات مجال الزِّراعة والطَّاقة والنَّقل والإنترنت والثَّروة السَّمكيَّة.

وفي الختام، إنَّ ما نشاهده بالتلفاز من توقيع اتفاقيَّة بَيْنَ وزارة النَّقل العُمانيَّة وتشغيل مطار كربلاء في جمهوريَّة العراق الشَّقيقة كان نتاج وثمرة البعثة العُمانيَّة المُقيمة في بغداد من خلال الاجتماعات الدَّوْريَّة، وإرسال المعلومات الدقيقة إلى جهة الاختصاص؛ لغرضِ الاستثمار.. لذلك أؤكد شخصيًّا على دَوْر البعثات الخارجيَّة في الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة وهُمْ أهْلٌ لذلك.

(المصدر: وكالة الأنباء العُمانيَّة)

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت