مشافي قِطاع غزَّة في قلبِ المِحنة في صمودها الاستثنائي منذُ لحظات العدوان الأُولى. وفي استشهاد أعدادٍ من الأطبَّاء والممرِّضِين والمُسعفِين. وقد طالتْ نار الاحتلال جميع المشافي وعددها (36) مشفى بالدَّمار الكُلِّي أو شِبه الدَّمار الكُلِّي. وكان مشفى المعمداني في غزَّة وحْدَه حكاية صمود استثنائي لشَعبٍ ما زال يقاتل بجسدِه العاري جبروت قوَّة طاغية مُسلَّحة من «رأسها حتَّى أخمص قدَمَيها». وقد قصف في الأشْهُر الأُولى من الحرب عِندَما أُلقيَتْ على باحاته قنابل من أوزان عالية بـ»سلاح الجو الإسرائيلي» فاستشهد نَحْوُ أربعمئة مواطن مَدَني من مواطني قِطاع غزَّة، في جريمة لا يُمكِن وصفُها بسهولةٍ أو بكلامٍ عابر.
واقع المشافي بالقِطاع والوضع الصحِّي ونقصان الأدوية والمضادَّات والأدوات الطبيَّة... دفعتْ بمدير المستشفيات في غزَّة للصُّراخ عشرات المرَّات وبالصَّوت العالي لِيقولَ «الوضع الصحِّي في القِطاع كارثي بسبب امتلاء كُلِّ المستشفيات بالمَرْضَى» مضيفًا «لدَيْنا (11) ألفَ مريضٍ بحاجة للعلاج في الخارج والاحتلال يمنع خروجهم».
مُجرِم الحرب نتنياهو وزمرته الفاشية الغارقة بتطرُّفها وسُلوكها الدَّموي، تتحدى الإرادة والقوانين الدّوليَّة. وتقفز عن حقيقة أنَّ حماية المستشفيات مكفول في جميع القوانين والاتفاقيَّات والمعاهدات والمواثيق، ويُعَدُّ استهداف المستشفيات جريمة حرب وجريمة ضدَّ الإنسانيَّة، ولكن مُجرِم الحرب نتنياهو يريد استكمال إبادة الشَّعب الفلسطيني وأمام العالَم بأسْرِه، ولم يرفَّ له جِفن رغم المشاهد المأساويَّة للأطفال والنِّساء وكبار السِّن، والقنابل الحارقة الَّتي أكلتْ ونالتْ من أجسادهم الغضَّة والطريَّة.
مدير مستشفى المعمداني قال قَبل أيَّام: «لا إمكانات طبيَّة لدَيْنا لإغاثة العدد الكبير من الجرحى. فالاحتلال قصف مبنى داخل حرم مستشفى المعمداني ودمَّره ما أدَّى لإجلاء قسْري للمَرْضَى والعاملين فيه. فيما نطالبُ المؤسَّسات الدّوليَّة والجهات المعنيَّة بحماية القِطاع الصحِّي وفقًا للقوانين الدّوليَّة».
وزير دفاع إيطاليا أطلقَ صرخته غاضبًا لِيقولَ: «حياة كُلِّ طفل فلسطيني تعادل أيَّ طفل أوكراني أو إيطالي وعلى «إسرائيل» أن تقرَّ بأخطائها، فالمستشفى الفلسطيني يساوي المستشفى الأوكراني أو المستشفى الإيطالي».
المستشفى الأهلي العربي في غزَّة أو (المستشفى المعمداني) في غزَّة هو أحَد المستشفيات العاملة في مدينة غزَّة. ويقع مقرُّه في حيِّ الزَّيتون جنوب المدينة وتُديره الكنيسة الأسقفيَّة الأنجليكانيَّة في القدس ويُعَدُّ من أقدَم مستشفيات المدينة حيثُ تأسَّس عام 1882. وعُرِفَ المستشفى بـ»المعمداني»، نسبة للكنيسة المعمدانيَّة، وهي كنيسة بروتستانتيَّة تؤمن بالكِتاب المقدَّس، وبالثَّالوث. وعِندَما بقيَتْ غزَّة تحت الحُكم المصري بُعَيد النَّكبة، وعِندَما احتلَّتْ «إسرائيل» القِطاع عام 1967، استعادتِ الكنيسة الأسقفيَّة السَّيطرة على المستشفى وجعلتْ مِنْه مركز خدمات صحيَّة يقدِّم خدماته لجميع المواطنين دُونَ استثناء. بل إنَّ دَوْر المشفى مشهود له في بلسمة جراح المواطنين في القِطاع في كُلِّ الأوقات عَبْرَ العالمين به من أطبَّاء وممرِّضين ومسعفِين فلسطينيِّين غزاويِّين، وعرب عامَّة، وحتَّى أجانب متطوِّعين يأتون من حينٍ لآخر. إنَّ فاشيَّة الاحتلال، والرُّوح البهيميَّة الَّتي تسيطر على فاصل القرار في كيان الاحتلال، لا تضع لحياة الإنسان غير اليهودي من قِيمة أو مكان، بل ترَى أنَّ «البَشَر مسخَّرِين لهم وفقَ رواية ميثولوجيَّة مزوَّرة» لا تَقْبل بها حتَّى الشَّياطين.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك