.. والرياء في العمل: كمراءة المصلي بطول القيام وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات، والمراءة بالأصحاب والزائرين: كالذي يتكلف أن يستزير عالمًا من العلماء ليقال:(إن فلانًا قد زاره عالم وذلك دليل على علو مكانته)، والرياء الزماني: إن سبق وعمل عملًا صالحًا في الماضي فتمنى لو رآه أحد فيثني عليه، أو تمنى أن يعمل عملًا في المستقبل ليقول عنه الناس كذا، والرياء بالتوقف: هو ترك الطاعات مخافة الوقوع في الرياء، ومنه الامتناع عن الأذان مثلًا مخافة أن يسخر منه الناس، والرياء بالدين: وهو أشد أنواع الرياء، وهو اتخاذ الدين ستارًا لأجل مأرب خبيث، كأن يدّعي أنه شيخ ويطول لحيته ويعالج بالقرآن لأجل الوقوع بالنساء المغفلات، أو ينشئ جمعية لسرقة أموال الناس، فهو يتستر بهيئة الدين فيأمن منه الناس بسبب ظاهره الحسن فيخفى عليهم فساد نيته، وقصده الخبيث، فيقعون في شباك خبثه، والرياء بدون عمل: كرجل يظن فيه الناس أنه صاحب عمل حسن، ولكنه لم يقم به، ومع ذلك تجده لا يخبرهم أنه لم يقم به، فيرضى لمدحهم له وهذا يعد رياء بل لصاحبه عذاب أليم:(لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
أعراض الرياء: الأعراض هي التصرفات التي من خلالها يعرف المريض، ويحدد نوع مرضه، وبما أن الرياء مرض قلبي فتظهر أعراضه من خلال تصرفاته، وأعراض الرياء ثلاثة: (لذّة المحمدة، والفرار من ألم الذم، والطمع فيما أيدي الناس والدنيا)، ونأخذ ذلك من أحاديث النبي عندما سئل عن: رجل يقاتل حميّة (هنا الفرار من ألم الذم) أي: يفرّ من أن يُقهر ويُذم بالهزيمة فيعيبه الناس بذلك. ورجل يقاتل ليرى مكانه (هنا الطمع): أي يترجى من الناس تقدير ومكانة رفيعة، ورجل يقاتل للذكر (هنا لذّة المحمدة) أي: يترجى من الناس المحمدة باللسان والمدح. فأجاب النبي على كل ذلك:(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، فالمهم هو إخلاص النية لله وحده لا شريك له، وقال في حديث آخر:(من غزا لا يبغي إلا عقالا فله ما نوى) أي: قاتل لأجل الملك وهو إشارة للطمع لما في الدنيا وأيدي الناس.
صيدلية الرياء: أولًا، المجاهدة، باجتثاث حب المحمدة وكرهها لما فيه من تقهقر، وحب النقد لما فيه من إصلاح، وتأخير حب الدنيا لمحدوديتها على الآخرة الخالدة، وعدم الطمع إلا فيما عند الله. وثانيا المعرفة، بالعلم بأن الرياء لذيذ في الحال (محمدة الناس) لكنه ضار في المآل (غضب الجبار)، كالعسل المنقع بالسم، فهو لذيذ عند المذاق لكنه قاتل فيما بعد، والكراهة، وهي ثمرة المعرفة؛ بأن يعرف المرائي أنه يقع في مضرة كبيرة، فيسخط الله عليه في مقابل الكسب المحدود للناس فيخسر آخرته نظير كسب قلوب الذين إن أرضى شخصا سخط عليه آخر، ولا يزيد حمدهم له رزقا ولا أجلا ولا منفعة، وكل ذلك مصيره إلى النار، والإباء: وهو ثمرة الكراهة؛ بأن يأبى على نفسه النزول من درجة العبودية لله إلى عبودية خلقه، والنزول من درجة النبيين والصديقين إلى درجة الفسقة المتخاذلين. وللتخلص من الرياء لا بد من اجتماع هذه الثلاثة معًا:(المعرفة والكراهة والإباء).
سامي السيابي
كاتب عماني
(فريق الهلال ـ نفعاء)