يُشكِّل التَّصنيف الائتماني لأيِّ دَولةٍ مرآةً تعكس مدَى ثقة المؤسَّسات الماليَّة الدّوليَّة والمستثمِرِين في اقتصادها، ومدَى قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الماليَّة. ويُمثِّل تثبيت تصنيف سلطنة عُمان عِندَ مستوى «BBB-» من قِبل وكالة «ستاندرد آند بورز» مع نظرة مستقبليَّة مستقرَّة خطوةً بالغة الأهميَّة في تعزيز صورة السَّلطنة على الخريطة الاقتصاديَّة الدّوليَّة، فهذا الإنجاز لم يكُنْ وليدَ المصادفة، بل جاءَ ثمرةً لإصلاحاتٍ هيكليَّة وجهود مؤسَّسيَّة شاملة، كان لجهاز الاستثمار العُماني فيها دَوْر محوري، ليس فقط من خلال إدارة المحافظ الماليَّة للدَّولة، بل عَبْرَ قيادة عمليَّة إعادة هيكلة الشَّركات التَّابعة له، وخفض مديونيَّاتها، وتعزيز قدرتها على الاستدامة التَّشغيليَّة.. فالتَّصنيف الائتماني ليس رقمًا فنيًّا فحسب، بل شهادة دوليَّة على صلابة الأُسُس الاقتصاديَّة، وهو ما سعَتْ إِلَيْه عُمان ضِمْن «رؤية 2040»، الَّتي وضعتْ تحسين بيئة الاستثمار وتنويع مصادر الدَّخل في صدارة أولويَّاتها، ووضعتِ الاستثمار المسؤول والحوكمة الماليَّة في قلبِ هذه الرُّؤية. في قلبِ هذا التَّحوُّل المالي الَّذي تعيشُه السَّلطنة، أدَّى جهاز الاستثمار العُماني دَوْرًا فاعلًا وواعيًا بالمسؤوليَّة الوطنيَّة، حيثُ اتَّخذ حزمة من الإجراءات المدروسة لمعالجة أبرز نقاط الضَّعف في الهياكل الماليَّة لشركاته، وتمثَّل ذلك في خفض إجمالي مديونيَّة تلك الشَّركات من (11.4) مليار ريال عُماني في عام 2021م إلى (9.2) مليار ريال بنهاية الرُّبع الثَّالث من عام 2024م، وهو رقم يعكسُ انضباطًا ماليًّا يُعزِّز من قدرة الدَّولة على إدارة ديونها العامَّة وتقليل المخاطر على موازناتها السَّنويَّة، كما أنَّ التَّحسُّنَ الملموس في أداء شركات كبرى مِثل مجموعة «أوكيو»، واجتياز مشاريع حيويَّة مِثل مصفاة الدُّقم لاختبارات الثِّقة، لدَى المقرِضِين الدّوليِّين، يؤكِّد فعاليَّة هذه الجهود ونجاعتها. فهذه النَّتائج ليسَتْ مجرَّد تحسُّن في المؤشِّرات المحاسبيَّة، بل تُسهم فعليًّا في تخفيف الضُّغوط الماليَّة عن الدَّولة وتفتحُ آفاقًا أرحبَ لِتَمويلِ مشاريعَ جديدةٍ دُونَ الحاجة إلى دعمٍ حكومي مباشر، ما يرسِّخ مبدأ الاعتماد على الكفاءة والاستقلاليَّة، ويمنحُ القِطاع العامَّ ديناميكيَّة أكبر في تحقيق مستهدفات النُّموِّ والاستثمار. وفي جانب الحوكمة، تبنَّى الجهاز رؤيةً شاملة تَقُومُ على الانضباط المالي، والشَّفافيَّة، وتوزيع واضح للمسؤوليَّات الإداريَّة، حيثُ أطلقَ منذُ فبراير 2022م ميثاقًا مُوَحَّدًا لحوكمة الشَّركات التَّابعة له، ما ساعد في ترسيخ ثقافة اتِّخاذ القرار المؤسَّسي، وضبط الصَّلاحيَّات، وتنظيم آليَّات الاقتراض والاستثمار وفقَ ضوابط دقيقة، وهذه التَّحوُّلات لم تكُنْ شكليَّة أو إداريَّة فقط، بل جاءتْ مصحوبةً بإجراءاتٍ عمليَّة واضحة، مِثل تقليص الضَّمانات الحكوميَّة من (3.2) مليار ريال إلى (1.8) مليار ريال، ووقف إصدار الضَّمانات الجديدة على القروض، وهي خطوة جريئة عزَّزتْ من قوَّة الجهاز ورفعتْ من مستوى استقلاليَّة شركاته الكبرى، فتقليل الاعتماد على الضَّمانات الحكوميَّة يعكس نضوجًا مؤسَّسيًّا ويُقلِّل من المخاطر السِّياديَّة على الدَّولة، وهو ما يُسهم في تعزيز ثقة وكالات التَّصنيف العالَميَّة، ويظهر التزام السَّلطنة بتوجُّهٍ اقتصادي قائم على التَّمكين الذَّاتي وكفاءة الأداء. إنَّ النَّجاحات المُحقَّقة على صعيد التَّصنيف الائتماني تعكسُ جهودَ سلطنةِ عُمانَ الشَّاملة، الَّتي تَسير بِخُطًى واثقةٍ نَحْوَ بناء اقتصادٍ أكثر مرونةً واستدامة، استنادًا إلى رؤية «عُمان 2040» الَّتي تُعَدُّ خريطة طريق واضحة نَحْوَ المستقبل، فالدَّولة بأجهزتها المختلفة، الماليَّة والاستثماريَّة والرَّقابيَّة، تعمل على تعزيز بيئة الأعمال، وتنويع مصادر الدَّخل، وتحسين كفاءة الإنفاق العامِّ، وتقليل الاعتماد على النِّفط، من خلال إصلاحات ماليَّة وهيكليَّة جريئة، ويُلاحظ أنَّ هناك توَجُّهًا حقيقيًّا نَحْوَ تخفيف الأعباء عن الماليَّة العامَّة، وتحفيز القِطاع الخاصِّ، ودعم المشاريع الكبرى والبنى الأساسيَّة بطريقةٍ تَضْمَنُ الاستقرار الاقتصادي على المدَى الطَّويل. كما أنَّ التزام السَّلطنة بتعزيز الشَّفافيَّة والإفصاح المالي، وضبط معدَّلات الدَّيْن، وتحقيق الانضباط المالي، أسْهَمَ بشكلٍ مباشر في استعادة ثقة المؤسَّسات الماليَّة العالَميَّة. وعَلَيْه، فإنَّ تثبيتَ التَّصنيف الائتماني وتحسُّنَه المستقبلي ليس نهايةَ الطَّريق، بل هو محطَّة ضِمْنَ مسارٍ أوسعَ نَحْوَ اقتصادٍ تنافسي ومستدام، يستندُ إلى الحوكمة الرَّشيدة، والتَّخطيط الاستراتيجي، واستثمار الطَّاقات الوطنيَّة في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا لعُمان الحبيبة.