الجمعة 25 أبريل 2025 م - 26 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : هذا إنجازي: المعلم الذي سبق زمنه؛ الأستاذ عوض بن مسلم زعبنوت

رحاب : هذا إنجازي: المعلم الذي سبق زمنه؛ الأستاذ عوض بن مسلم زعبنوت
الاثنين - 14 أبريل 2025 01:48 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

160

رأيته لأول مرة في المدرسة السعيدية بالحَصن في صلالة، وتحديدًا في الطابور الصباحي.

كان شابًّا أنيقًا ينظِّم تلاميذ الصف الثاني الابتدائي في الصفوف المدرسية، في ذلك الوقت، كان كثير من المعلِّمين يصرخون في وجوه الطلاب ويتعاملون بعصبية، خصوصًا عندما يتصرف الأطفال بعفوية ويخرجون عن الإطار الصارم للانضباط الذي كانت تفرضه تلك المدرسة العريقة، التي كغيرها من المدارس في تلك الأيام، تتبنى الأسلوب التقليدي القائم على الترهيب والعقاب من أجل غرس القِيَم وإيقاظ الجدية وحُب التعلم.

لكن الأستاذ عوض زعبنوت كان يتبع أسلوبًا مختلفًا تمامًا، كنت أحد طلابه في الصف الثاني الابتدائي، ضمن عدد غفير من التلاميذ الذين تنوعت أعمارهم ولهجاتهم وسحناتهم: بين البدوي والحضري والجبالي، ومع ذلك، كان يتعامل معنا بلطف ولين، ولم يكن يلجأ إلى العقاب مطلقًا.

كانت رائحة عطره تسبقه في أروقة المدرسة، وكان دائم الابتسام، يميل إلى الدعابة والمرح لجذب انتباه الطلاب بدلًا من العقاب، ويُحضر لنا الهدايا والجوائز.

فوجئتُ آنذاك بانضمامي إلى فريق إدارة الذات وفريق آخر لمتابعة النظافة، هكذا كان يعتمد أساليب تربوية حديثة لم تكن شائعة في سبعينيات القرن الماضي، وكان رغم بساطة مؤهلاته، إذ لم يتجاوز تعليمه المرحلة الإعدادية التي حصل عليها من دولة الكويت بعد أن هاجر إليها من ظفار طلبًا للعلم، يحمل في داخله عقلية تربوية رائدة.

لم يطل مكثي معه، فقد انتقلت إلى مدرسة البيوت الشَّعبية المشيدة في حي الشَّعبيات بجوار قصر الرباط حاليًّا، والتي كانت تؤوي النازحين من جبال ظفار في أيام الحرب، أما الأستاذ عوض، فبقي فترة في المدرسة السعيدية، لم أنسَ البصمة الأخلاقية والمعرفية التي تركها في شخصيتي في تلك المرحلة المبكرة.

لاحقًا، سعدت كثيرًا بانتقاله إلى مدرستنا الصغيرة في البيوت الشَّعبية، وإن لم يدرسني هذه المرة، لم يلبث طويلًا في سلك التربية والتعليم، إذ انتقل إلى وزارة الإعلام، وتحديدًا إلى جريدة «عُمان»، حيث تابع دراسته في فصول تعليم الكبار، حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام والصحافة من جامعة اليرموك بالأردن، هناك، بدأ مسيرته الصحفية اللامعة، فبرز ككاتبٍ ومحقق صحفي يركز على الإعلام التنموي، ويمد المواطنين بالوعي بما يحدث من بناء وتنمية.

كنت أتابعه وألتقيه من حين إلى آخر في الأمسيات الثقافية والمؤتمرات، وفي كل مرة أقترب منه لأقبّل يده احترامًا وتبجيلًا، كان يسحبها سريعًا، رافضًا ذلك التبجيل الذي كان يزهد فيه بطبيعته، محافظًا على أريحية العربي الحُرّ الأبي الذي يرفض الطقوس المبالغ فيها بين الأستاذ وتلميذه.

وفي الأسبوع الماضي، أهداني كتابه الجميل عن القبيلة، والذي وثَّق فيه تاريخها منذ آلاف السنين، بأسلوب تحليلي وسرد تاريخي مشوِّق، تابع فيه المراحل التي مرت بها القبيلة، من كيان يمثل الدولة في الزمن القديم، إلى وحدة اجتماعية وسياسية، ثم إلى ما يُشبه الحزب في العصر الحديث، وبيَّن كيف ظلت القبيلة، رغم التغيرات، مكونًا فاعلًا يُسهم في الاستقرار ويدعم التنمية، ويُشكِّل جزءًا من الهُوِيَّة والثقافة والوطن.

لا أزال أستمتع بقراءة هذا الكتاب، الذي احتوى على درر من التاريخ والأنثربولوجيا الاجتماعية، وهو جدير بأن يكون مرجعًا في مكتبة كل بيت ومؤسسة تهتم بالشأن العام، والسياسة، والدِّين، والتاريخ.

شكرًا للأستاذ عوض بن مسلم زعبنوت على ما قدَّم ويقدِّم، فهو أستاذٌ بالتأثير، وناقلٌ للقِيَم بالقدوة والسلوك، كما كان يفعل حين كان يصطحبنا صغارًا إلى مواضئ المدرسة، يعلمنا الصلاة بالفعل، ويوقظ فينا الذوق والاحترام، لا بما قرأه في جامعة، بل بما نهله من مجالس قبيلته العريقة في أصالتها، وأخلاقها، وتربيتها للرجال.

د. أحمد بن علي المعشني

رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية