الأحد 06 يوليو 2025 م - 10 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : جناح يحاكي المستقبل بلغته الخاصة

الاثنين - 14 أبريل 2025 06:35 م

رأي الوطن

30


لفَتَ الجناح العُماني أنظار كبار المسؤولين اليابانيِّين والمشاركين في إكسبو أوساكا، وذلك ليس فقط بسبب تصميمه البصري، بل لأنَّه قدَّم مضمونًا عميقًا يلامس جوهر شعار إكسبو 2025 (تصميم مُجتمع المستقبل لحياتنا). فالجناح الَّذي حمَلَ عنوان (روابط ممتدَّة) لم يكُنْ استعراضًا سطحيًّا للتُّراث، بل خطابًا حضاريًّا عابرًا للحدود الثَّقافيَّة، اعتمد في فكرته على ثلاثيَّة الماء والأرض والإنسان، وهو اختيار لم يكُنْ عشوائيًّا، بل مقصودٌ لِيرمزَ إلى التَّوازن البيئي والإنساني الَّذي تسعَى إِلَيْه سلطنة عُمان في رؤيتها المستقبليَّة.. فهذه العناصر ليسَتْ فقط مُقوِّمات جغرافيَّة، بل تعبير عن هُوِيَّة عُمان وموقعها الحضاري كجسرٍ بَيْنَ الشَّرق والغرب، بَيْنَ الطَّبيعة والتكنولوجيا، وبَيْنَ الأصالة والطُّموح.

الحديث الياباني عن الجناح العُماني تجاوز المجاملات البروتوكوليَّة، فقَدْ أبدَى نائب الأمين العام لإكسبو، إيشينو كي مانا تسو، إعجابه الصَّريح بتركيزِ الجناح على الماء والأرض والإنسان، واصفًا ذلك بأنَّه يجسِّد جوهر الحياة نَفْسِها؛ ذلك أنَّ هذه الإشادة لا تُفهم فقط بوصفِها ردَّ فِعلٍ على جماليَّات العَرض، بل على عُمقه المفاهيمي، حيثُ استطاعتِ السَّلطنة أنْ تحوِّلَ مشاركتها إلى نافذة حضاريَّة تعكسُ طريقتها في التَّفكير والعطاء، وهذا الانبهار يدلُّ على أنَّ هناك عملًا فكريًّا وثقافيًّا حقيقيًّا بُذل لِيبهرَ لا بالشَّكل فقط، بل بالمضمون.. وهو ما جعلَ الجناح يبدو وكأنَّه حوارٌ صامتٌ بَيْنَ ثقافتَيْنِ، تتحدَّثُ فيه سلطنة عُمان بلُغةٍ رمزيَّة يفهمُها اليابانيُّون، لُغة تحترم الطَّبيعة، وتُقدِّر الإنسان، وتُراهن على المستقبل.

ما يُميِّز الجناح العُماني أيضًا هو قدرته على الجمع بَيْنَ الجانب الرَّمزي الثَّقافي والبُعد الاستثماري الواقعي.. فبحسب نيشيمورا ياسوتوشي، الوزير السَّابق ورئيس الجمعيَّة العُمانيَّة اليابانيَّة، يُمثِّل الجناح فرصةً ثمينة للقِطاع الخاصِّ الياباني للتَّعرُّف على بيئة الأعمال في عُمان، فالسَّلطنة لا تطرح نَفْسَها هنا كدَولةِ نفطٍ فقط، بل كوجهةٍ واعدة في مجالات الطَّاقة المُتجدِّدة والسِّياحة والخدمات اللوجستيَّة.. ويكفي أنَّ اليابان، بكُلِّ دقَّتها، ترَى في عُمان شريكًا استراتيجيًّا يُوازن بَيْنَ الاستقرار السِّياسي والفُرص الاقتصاديَّة. وهذا الدَّمج الذَّكي بَيْنَ الجَمال والجدوى، بَيْنَ الماء كرمزٍ للحياةِ والاستثمار كمصدرٍ للنُّموِّ، يعكس عقلًا عُمانيًّا يعرفُ متى يدع الوقع وحْدَه يتحدَّثُ بلُغةِ العائد والأُفق المفتوح.

في عالَمٍ تَسُودُه العولمة وتَذُوبُ فيه الهُوِيَّات، نجحتْ عُمان في تقديم نَفْسِها كصوتٍ هادئ لكنَّه حاضر، من خلال فعاليَّات جناحها الَّتي تهدف إلى تعريف الجمهور الياباني والعالَمي بالهُوِيَّة العُمانيَّة العميقة، ما دفعَ المسؤولين اليابانيِّين لأنْ يُشيروا إلى أنَّ هناك إمكانات كبيرة للتَّعاون الثَّقافي والسِّياحي بَيْنَ البلدَيْنِ، مؤكِّدِينَ أنَّ ما تُقدِّمه عُمان في الجناح يتجاوز الصُّوَر النَّمطيَّة. فهنا لا ترَى السِّياحة ترفًا، بل جسرٌ حقيقي لبناء علاقات إنسانيَّة واقتصاديَّة، ومن خلال الفنِّ والتكنولوجيا والمحتوى التَّفاعلي، استطاع الجناح أنْ يفتحَ أعْيُنَ اليابانيِّين على عُمان كدَولةٍ تحملُ في قَلْبِها التَّاريخ، وفي يَدِها مشروعًا للمستقبل، وهنا يتجلَّى المعنى الحقيقي للوعي حيثُ يوجدُ صدًى متوازن، يعرف كيف يلامس الرُّوح ويُقنع العقل في آنٍ واحد.