الجمعة 25 أبريل 2025 م - 26 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

«مسقط» عاصمة الدبلوماسية ومرفأ الأمن والسلام

«مسقط» عاصمة الدبلوماسية ومرفأ الأمن والسلام
الاثنين - 14 أبريل 2025 01:25 م

محمد عبد الصادق

30


اتَّجهتْ أنظار العالَم شرقه وغربه يوم السَّبت الفائت، إلى العاصمة مسقط، لمتابعة الاجتماع الَّذي جمَع بَيْنَ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وجمهوريَّة إيران الإسلاميَّة، من أجْلِ نزعِ فتيل الحرب الَّتي تدعو إِلَيْها «إسرائيل»، والوصول لتفاهماتٍ حَوْلَ الملفات العالقة بَيْنَ البلدَيْنِ بخصوص البرنامج النَّووي الإيراني، وعلاقة إيران بالصِّراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وحُريَّة الملاحة في مضيق هرمز والخليج العربي والبحر الأحمر، ملفات شائكة يقف العالَم يحبس أنفاسه آملًا أن تفضيَ المباحثات إلى اتِّفاق يوقف شبَح الحرب الَّتي تحرِّض عَلَيْها «إسرائيل»، ويُعِيد الأمن والاستقرار إلى منطقة حيويَّة تتحكم في القدر الأكبر من طاقة النِّفط والغاز الَّتي يحتاجها العالَم.

لماذا وقعَ اختيار البلدَيْنِ على سلطنة عُمان لِتكُونَ الوسيط المباشر في المباحثات غير المباشرة؟ هذا الاختيار لم يأتِ من فراغ، ولكن للصِّيت الَّذي اكتسبته الدبلوماسيَّة العُمانيَّة، وتفرُّدها بالإلمام بالتَّفاصيل الفنيَّة للملفات المطروحة على طاولة اللِّقاء، وثقة الطَّرفَيْنِ في نزاهة وحياد سلطنة عُمان، والخبرة المتراكمة من عديد الأحداث والمناسبات الَّتي استضافتها العاصمة العُمانيَّة مسقط، والَّتي نجحتِ الدبلوماسيَّة العُمانيَّة في إداراتها وتسييرها منذُ ثمانينيَّات القرن الماضي، حتَّى أصبحتْ مسقط بامتياز عاصمة السَّلام والاتِّزان ومرفأ السَّلام والتَّعاون بَيْنَ دوَل العالَم.

كان للسِّياسة الحكيمة الَّتي تبنَّتها سلطنة عُمان بقيادة السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ والَّتي حافَظَ عَلَيْها وأكَّدها قائد النَّهضة المُتجدِّدة، جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ والَّتي اعتمدتْ سياسة الحياد الإيجابي، بالنَّأي بالبلاد عن المحاور والتَّحالفات والاستقطابات والأيديولوجيَّات المشبوهة، والثَّبات على المبدأ والتَّروِّي وعدم الاندفاع أو الانفعال في اتِّخاذ القرارات والمواقف، إلَّا بعد الدِّراسة المتأنِّية، ومعرفة العواقب والتَّداعيات والأبعاد المترتِّبة عَلَيْها.

هذه الرُّؤية الصَّائبة الَّتي انتهجتْها السِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة جنَّبتها التَّورُّط في الصِّراعات والنِّزاعات الَّتي عصفتْ بالمنطقة خلال العُقود الماضية، وجعلتْها تنال ثقة العالَم أجمع، كوسيطٍ نزيهٍ مؤتمن يُمكِن الاعتماد عَلَيْه في حلِّ النِّزاعات، وحفظ الأسرار، والصِّدق والإخلاص في نقلِ وجهات النَّظر.

ولعلَّ أبرزَ ما قاله المغفور له جلالة السُّلطان قابوس في هذا الصَّدد، جملته الشَّهيرة: « أبتعد تمامًا عن سياسة المظاهر، والأصداء الرنَّانة، ولا أسعَى من وراء ما أعمل إلى خطف البريق، وسياستنا الخارجيَّة تتلخص في الحياد، وعدم التَّدخُّل مطلقًا في شؤون الآخرين».

تجلَّتْ هذه السِّياسة في موقف سلطنة عُمان الرَّافض لقطعِ العلاقات مع مصر بعد اتفاقيَّة «كامب ديفيد»، الَّذي تبنَّته القمَّة العربيَّة ببغداد دُونَ الإخلال بعلاقتها بالدوَل العربيَّة الَّتي قاطعتْ مصر، وكذلك الحياد في الحرب الإيرانيَّة العراقيَّة في ثمانينيَّات القرن الماضي، والحفاظ على علاقاتها مع إيران دُونَ الإخلال بِدَوْرها مع دوَل مجلس التَّعاون الخليجي الَّتي وقفتْ مع العراق، ودعَتْ لوقفِ الحرب وإحلال السَّلام، كذلك لم تشاركْ سلطنة عُمان في التَّحالف العربي ضدَّ حركة أنصار الله، ودعتْ إلى وقف الحرب المستعرة في اليمن، كذلك نأتْ بِنَفْسها عن الخلاف الَّذي نشبَ في العام 2017 بَيْنَ قطر ودوَل في مجلس التَّعاون، وأيَّدتْ بقوَّة جهود الوساطة الكويتيَّة، حتَّى انفرجتِ الأزمة.

لم تكتفِ الدبلوماسيَّة العُمانيَّة بنهج الحياد، بل أدَّتْ دَوْرًا بارزًا في حلِّ النِّزاعات العربيَّة والدّوليَّة، باستضافة المباحثات الَّتي أفضتْ إلى توقيع الاتِّفاق النَّووي بَيْنَ إيران وستِّ دوَل غربيَّة في العام 2015، كما أدَّتْ دَوْر الوسيط في الأزمات السُّوريَّة والليبيَّة واليمنيَّة، واستضافتْ مسقط مباحثات متعدِّدة بَيْنَ الفرقاء المنخرطِين في هذه النِّزاعات، بجانب مساعيها الإنسانيَّة المشهودة، في إطلاق سراح عديد الرَّهائن الغربيِّين العالِقِين في اليمن وإيران.

محمد عبد الصادق

[email protected]

كاتب صحفي مصري