الخميس 01 مايو 2025 م - 3 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

العدول فـي القرآن الكريم وأهم دلالاته البلاغية والتربوية

الأربعاء - 09 أبريل 2025 01:33 م
50


«العدول فـي الرسم المصحفي ودلالاته البلاغية والإيمانية» «1»

من أنواع العدول (العدولُ في رسم المصحف)، حيث تنحرف الصيغة من القياس الإملائي إلى إملاء آخرَ غيرِ قياسي؛ لِحِكَمٍ، ودلالاتٍ لا تنهض لها الرسوم الإملائية القياسية، وهو كثير في السور القرآنية، نأخذ بعضًا منها، وأضربُ هنا نماذجَ ندور حولها نستنبط الدلالاتِ التي تقف وراء تغيير الرسم من القياسي إلى رسم لا يمضي على سنن الرسم المعروف.

وأول تلك النماذج هو قولُ الله تعالى:(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ، خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) (القمر 6 ـ 8).

تتحدث الآياتُ هنا عن لحظات الآخرة، حيث يكون الجميع في توتر، وارتقاب، وفي اضطراب، وارتعاب، يمضي هنا، وهنا، ويجري هناك، وهنالك، ويرى أمَّه، وأباه، وأخته، وأخاه، فيذهل عنهم جميعًا، ويمضي لشأنه، بل يفر من أمه وأبيه، وصاحبته وبنيه؛ فكل له شأن يُغنيه، ولا يكاد يتوقف، ويسرع لعله يجد مكانا يؤويه، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكنَّ عذاب الله شديد، الجميعُ مشغولٌ بنفسه، يبحث عن مخرج، أو عن ملجإ، ولكنْ، لا مفر من الحساب، ولا محيص عن العقاب، والثواب، وتأتي الرسوم المصحفية لتلبيَ دلالة، وخطورة تلك اللحظات التي يهرب فيها كلُّ إنسان من أقرب الناس إليه، وهو محتاج إلى كل ما يطلبونه منه، من بحث عن حسنات يثقِّل بها ميزانه، فيقول أنا أشدُّ احتياجا إليها منك، وفي سورة القمر ما يكشف عن تلك الحيرة، وذاك البحث، والعناء، والجري بلا وعي، وترك ما له، ومما في يديه، ويبدو حيرانَ مهطعَ الرقبة، مُشْرَعَهَا، ينظر إلى أعلى مادا رقبته ليرى على البعد، ويظهر بمظهر المخمور، السكران، يقول ما لو تفكر فيه ما قاله؛ من الذهول في ذلك اليوم، (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) الفعل (يَدْعُ) لم يسبقه جازمٌ؛ حتى تُحذَف منه واوُه، ومن المفترض أن يكون هكذا بواو في آخره: (يدعُو)، وكذا اسم الفاعل (الداعي)، من المفترض أن يرسم الاسم بياء في آخره (الداعي)، ولكن الرسم المصحفي جاء بغير الياء التي أصلها الواو:(الداعِوُ)، ولكنها قلبت ياء؛ لأنها متطرفة بعد كسر، فهو إعلال بالقلب، لكنْ، ما السبب في الحذف رغم عدم وجود جازم؟!، ورغم تعريف اسم الفاعل بـ(أل) التي توجب وجود الياء؟، فياء المنقوص تثبت في مواضع، منها إذا ورد معرَّفا بـ(أل).

ولعلَّ السبب في ذلك الحذف هو ارتباط الرسم المصحفي بالدلالة السياقية التي قيل فيها، وهي نقلة بنا إلى لحظات من لحظات الآخرة، والعيش في أجوائها المخيفة، والمتوترة، والتي تجعل الإنسان يذهلُ عن كل شيء حوله، أو عن نفسه، فالكلمة هنا (يدع) سقط ثلثها، وهو الواو أنها من الفعل:(دعا يدعو)، ومع ذلك من شدة هول اليوم سقط، ولم تَدْرِ الكلمة بسقوطه؛ هلعًا، ووجلًا، وفزعًا، كما هو شأن صاحبها، فهي تدل على هولِ الموقفِ، فبينت بسقوطها، وعدولها عن قياسيتها ما هي فيه من تعب، وخوف، ورعب الموقف.


د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية

[email protected]