السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

واقع جديد: لمخلوقات طفيلية!

واقع جديد: لمخلوقات طفيلية!
الاثنين - 12 فبراير 2024 05:24 م

د. يوسف بن علي الملَّا

50

لقَدْ أصبحت قصص تلك الحشرات الماصَّة للدِّماء مألوفة خلال العقْدِ القريب هذا، وسنواته الأخيرة خصوصًا مع ما تمَّ تداوله مؤخرًا من أنَّ مطارًا دوليًّا أصبح يعجُّ بهذه المخلوقات (بق الفراش)، ممَّا أدَّى إلى إغلاقه من أجْل التنظيف وللتخلُّص من هذه الحشرات الطفيليَّة. ومهما يكُنْ، أصبح (بق الفراش) حقيقة من حقائق الحياة مرَّة أخرى، كما كان الحال طوال تاريخ البَشَريَّة، حيث تبعت هذه الحشرات الجنس البَشَري في جميع أنحاء العالَم. وعِندما نرجع لعددٍ من الدِّراسات المرتبطة سنلاحظ أنَّها كانت تسير على طول طُرق الشَّحن القديمة وركوب الطائرات الحديثة. لا سِيَّما وأنَّه تمَّ العثور على (بق الفراش) المحفوظ في الأماكن الَّتي كان يستخدمها العمَّال في مصر القديمة قَبل آلاف السِّنين!

اللافت بالأمْرِ أنَّ هذه المخلوقات (بق الفراش) تستطيع البقاء على قَيْدِ الحياة لمدَّة عامٍ أو أكثر دُونَ تغذية، على الرغم من أنَّها بحجم البذور الصغيرة، حيث تنضغط في شقوق صغيرة في الجدران أو في مفاصل إطارات السَّرير أثناء النَّهار، بل ـ وإن استطعت القول ـ إنَّها تزحف إلى الخارج ليلًا، منجذِبة إلى ثاني أكسيد الكربون الَّذي يزفره النَّائم ودفء الجِسم. ولعلَّ العجيب هنا، أنَّها تمتصُّ ما يزيد عن ثلاثة أضعاف وزن جِسمها من الدَّم. وأثناء قيامها بذلك، فإنَّها تستقبل أيضًا أيَّ فيروسات أو عوامل مُعْدية أخرى قَدْ تنتشر في جِسم فرائسها، مِثل فيروس التهاب الكبد الوبائي (باء) أو فيروس نقص المناعة، مع أنَّه لَمْ يثبت أنَّها تنقل مسبِّبات الأمراض في الحياة البَرِّيَّة، لكنَّنا بكُلِّ تأكيد نُدرك أنَّها ليسَتْ طفيليَّات حميدة!

بطبيعة الحال، يُمكِن أن تؤدِّيَ الإصابة الَّتي قَدْ تنزل فيها مئات الحشرات على السَّرير ليلًا إلى إصابة الضحايا بالأرَق والقَلَق والاكتئاب، ويكُونُون محرومين من النَّوم، خصوصًا وأنَّ بعض سلالات (بق الفراش) اليوم تتحمل جرعات من المبيدات الحشريَّة أعلى بآلاف المرَّات من تلك الَّتي كانت تُستخدم لقتلها باستمرار. المُثير للأمْرِ، أنَّ عددًا من الدِّراسات بَيَّنَت كيف أنَّ (بق الفراش) طوَّر طفرات جينيَّة تقاوم وتمنع المبيدات الحشريَّة من الارتباط بشكلٍ فعَّال بخلاياها أو أنَّها تُنتج إنزيمات تعمل على تحطيم السموم في الجِسم بسرعة.

ويبدو حاليَّا أنَّ هذه المخلوقات أضْحَتْ سعيدةً في المنازل الحديثة تمامًا كما هو الحال مع الأنواع الشَّائعة، وتأقلمها مع تكييف الهواء والبرودة بشكلٍ غريب جعلها تستطيع البقاء على قَيْدِ الحياة دُونَ عناءٍ! ومع ذلك، ففي الوقت الحاليِّ، هناك بعض بخَّاخات (بق الفراش) الوحيدة الَّتي لا تزال فعَّالة، والَّتي هي مجموعة معيَّنة من المنتجات الَّتي تمزج بَيْنَ فئات مختلفة من المبيدات الحشريَّة. لكنَّها مسألة وقت فقط قَبل أن تفشلَ هذه أيضًا!

وهذا يأخذنا إلى التساؤل: إذا ما كانت هذه المخلوقات بشكلٍ ما، تستطيع البقاء على جسم الإنسان كما يفعل القمل ـ أكرمكم الله ـ؟ لعلَّ الإجابة على ذلك، جاءت من خلال دراسة، أكدت أنَّ (بق الفراش) لا يحبُّ رائحة البَشَر ـ ويا لها من نعمة! ـ حيث تعمل بعض الدهون الموجودة في جلد الإنسان على طرد تلك المخلوقات، وبالتَّالي يجعلهم يتراجعون إلى مخابئهم أثناء النَّهار. من هنا، أجدُ أنَّه من النُّصح أن يظلَّ الحذَر هو النَّهج الأمثل للكثير من الأفراد الَّذين يسافرون، لكَيْ لا يرجعوا مع حقائبهم ومن سَفَرهم إلى بلدهم وهُمْ يحملونها ـ أولئك الضيوف الطفيليِّين ـ إلى منازلهم، بل وإلى غرف نَوْمهم! ومن هذه النَّصائح، يجِبُ ـ وعلى سبيل المثال ـ لذلك المسافر أن يفحصَ أماكن الإقامة للتأكُّد من عدم وجود بُقع ناجمة عن (بق الفراش)، وعلى طبقات المراتب والأثاث. بحيث تتبرز الحشرات تلك بشكلٍ متكرِّر بضع عشرات من المرَّات بعد كُلِّ وجبة دَم، وغالبًا ـ للأسف ـ ما تكُونُ بجوار ضحاياها مباشرةً. ويجِبُ مثلًا لفُّ الحقائب بكيس بلاستيكي. طبعًا كُلُّ ذلك، يعتمد وطبيعة مكان الإقامة! ختامًا، إذا ما غزَت هذه المخلوقات منزلَك، فإنِّي أعتقد أنَّ الخطأ هو محاولة التخلُّص مِنْها بنَفْسِك، حيث لا يقدِّر بعض الأفراد مدى صعوبة السَّيطرة على (بق الفراش) وسيستخدم المبيدات الحشريَّة الموجودة في أقرب بقالة تجاريَّة، والَّتي تحمل علامة مكافحة (بق الفراش) ولكنَّها ربَّما لَنْ تعملَ، وسوف تنتشر هذه المخلوقات، لذلك الأفضل الاستعانة بمتخصِّص للتخلُّص مِنْها!

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي