السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

العم محمد ورؤيته حول عقاب «إسرائيل»

العم محمد ورؤيته حول عقاب «إسرائيل»
إبراهيم بدوي
الاثنين - 12 فبراير 2024 05:22 م

إبراهيم بدوي

10

لا أدري حين تقف ذاكرتي وأنا أشاهد وأقرأ تصريحات دوَل العالَم وهي تُحذِّر وتُناشد رئيس حكومة دَولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من الإقدام على العدوان على مدينة رفح، الَّتي باتَتْ تكتظُّ بمُعْظم سكَّان قِطاع غزَّة، بعد أن تحوَّلَ باقي القِطاع لركام وحطام؛ جرَّاء حرب الإبادة الجماعيَّة الَّتي يشنُّها الكيان الصهيوني عَلَيْه، عِند بوَّابة قِسم الصحافة في كلِّيتي، وأنا أمام عمِّي محمد العامل المسؤول عن القِسم، يتحدَّث بصوته الأجش عن خيبة أمله في الجيل الذي أنتمي إليه، مؤكدًا أنَّه جيل تمادَى في الخطأ؛ لأنَّه لَمْ يجدْ مَن يُقوِّمه أو يردَعُه، لِينهيَ حديثه دائمًا بمقولة «مَن أمِنَ العقاب أساء الأدب»، مؤكدًا أنَّ النَّفْس البَشَريَّة تحتاج دومًا لِمَا تخشاه حتَّى يتسنَّى لها المُضي في الطريق الصحيح.

وفي أحَد المواقف المتكرِّرة مع العمِّ محمد، وأعتقد أنَّه الموقف الَّذي صنَع الرَّبط بَيْنَ ما يحدُث في غزَّة والعالَم، وبَيْنَ ذكرياتي مع هذا الرجُل، فأنا أتذكَّر أنَّ أثناء حديثه تجاهَلْتُه ونظرتُ للتلفاز الَّذي كان يعرض مشاهد لاقتحام الصهاينة وعلى رأسهم المُجرِم شارون للمسجد الأقصى، وهو المشهد الَّذي فجَّر وقْتَها انتفاضة الأقصى عام 2000، فكان ردُّ العمِّ محمد، أَلَمْ أقُلْ لك دائمًا إنَّ «مَن أمِنَ العقاب أساء الأدب»، وظننتُ لوهلة أنَّه يتحدَّث عن تجاهلي له ولحكمة، والنظر بتركيز مع ما أشاهده، لكنَّه استدرك بسرعة وأكَّد أنَّه هو أيضًا يتحدَّث عمَّا نشاهده من عبَثٍ وإرهاب صهيوني، خصوصًا في ظلِّ حديث هذا الشارون وقْتَها عن أنَّ الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيليَّة.

إنَّني أستعيدُ هذا الحديث في هذا التوقيت؛ لأنَّ هذا الرجُل الحكيم صاحب الجسد الضَّخم، الَّذي كان لا يزال يتمتَّع بتقاسيم رياضيَّة، قَدْ توقع ما نعيشه الآن، عِندما قال إنَّ «إسرائيل» تعرف ماذا تفعل، وإنَّ اقتحام شارون للحرم القدسي لدراسة ردَّة الفعل واحتوائها، بمرور السِّنين وهو ما حدَث، وأنَّ القادم سيكُونُ في غزَّة. فالأطماع الصهيونيَّة وفق رؤيته تصرُّ على تحقيق حلم إقامة دَولة من النِّيل إلى الفرات، وعِندما حدَّثتُه عن موافقتي على رؤيته حَوْلَ أنَّ الأفعال الصهيونيَّة والتَّمادي، يأتي نتيجة الصَّمت العالَمي، وعدم محاسبة هذا الكيان على جرائمه، نظرَ لي بتفحُّص مصحوب بابتسامة عريضة، تؤكِّد أنَّ رؤيتي لا تتوافق مع رؤيته.

فقَدْ أكَّد الرجُل أنَّ ما يقصده بالعقوبة في مقولة مَن أمِنَ العقاب، هو عقابنا نحن العرب والمُسلِمين لهذا الكيان، مؤكَّد أنَّ (المتغطِّي بالقوَّة العالَميَّة عريان)، وأنَّ مُعْظم دوَل العالَم الكبرى تُساند وتدعم هذا الكيان، فهي من أنشأته بدءًا من وعد بلفور وصولًا لتسهيل الهجرة إلى فلسطين، وصولًا لقرار التقسيم والتغاضي عن المذابح والجرائم الَّتي ارتكبت في النَّكبة والنَّكسة وما بعدهم من أحداث، لذا يجِبُ أن يكُونَ العقاب الذي تخشاه «إسرائيل» ويعلمُها الأدب، نابع من أبناء المنطقة الَّتي تستهدف تلك الدَّولة أرضهم وعرضهم على حدِّ قوله، متَّخذًا من حرب أكتوبر كدليلٍ أعاد تلك الدَّولة للمربَّع الَّذي سبقها، بعد أن كانت تقترب من السيطرة على النِّيل. صحيح نسيتُ أن أسردَ للقارئ الكريم أنَّ العمَّ محمد كان أحَد أبطال حرب أكتوبر المَجيد، وكان يحدِّثني عن البطولات التي شاهدها أثناء العبور، وعن أصدقائه الشهداء، وعِندما أمازحُه وأقول له: أين الأوسمة الَّتي حصلت عَلَيْها، يرفع طرف جلبابه، ويشير لجرح غائر في قصبة رِجله، ويقول: هذا وسام من عشرة متفرقة في كامل جسدي، أتمنَّى أن تشفعَ لي عِند الله وأنالَ التكريم بسببها في الآخرة.

إبراهيم بدوي