لا تتوقف المذابح والمسالخ البَشَريَّة الَّتي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني يوميًّا على أرض قِطاع غزَّة، وفي عموم فلسطين وصولًا إلى لبنان والجوار. حتَّى بدا نتنياهو ورهطه مُصابِينَ بهلوسات القتل وسَفْك الدماء، ودُونَ اهتزاز لـ»شعرة من رأس الواحد مِنْهم»، فَهُم من طينة مخالِفة للفطرة البَشَريَّة، روح الإنسانيَّة الَّتي ترفض وتأبَى ارتكاب جرائم القتل والإبادة الَّتي أسدلتِ البَشَريَّة الستار عَلَيْها مع أنَّها كانتْ بَيْنَ جيوش تتصارع وتتقاتل للنُّفوذ والسَّيطرة الاستعماريَّة في العهود السَّابقة.
وقَبل أيَّام ارتكب جيش الاحتلال فظائع (بكُلِّ ما للكلمة من معنى وكما يحصل كُلَّ يوم في غزَّة) في موقع (مستوصف) لوكالة (أونروا) في مُخيَّم جباليا، يُفترض أن يكُونَ آمِنًا، فاستشهد عددٌ من المواطنين وعددهم (19) شهيدًا بَيْنَهم (9) أطفال، وهو ما دفعَ بالمفوَّض العامِّ للوكالة (فيليب لازاريني) للقول وبتصريحٍ علني: «إنَّ التَّجاهل التَّامَّ لحماية موظَّفي الأُمم المُتَّحدة ومقرَّاتها وعمليَّاتها واللاجئين إِلَيْها بقصد الحماية من الأطفال والنِّساء، هو انتهاك للقانون الدّولي».
المفوَّض العامُّ للوكالة (فيليب لازاريني) أوضح أيضًا «أنَّ الاحتلال وممارساته تجاوزتْ كُلَّ الخطوط الحمراء في غزَّة مرارًا وتكرارًا». وأضاف: «إنَّ القوات «الإسرائيليَّة» شنَّتْ غارة استهدفتْ مبنى تابعًا للوكالة في مُخيَّم جباليا». مُشيرًا إلى أنَّ المبنى كان يؤوي أكثر من (700) مواطن مَدَني عِندَ استهدافه. وأوضح أنَّ العائلات النازحة اضطرَّتْ للبقاء في المأوى حتَّى بعد استهدافه لعدم توافر مكان آخر يلجؤون له.
ويوم الخميس الثالث من نيسان/أبريل 2005 ارتكبتْ سُلطات الاحتلال وجيشها المُدجَّج بأحدث «عدَّة وعتاد القتل» مجزرة بشعة بقصفه مدرسة (دار الأرقم) الإسلاميَّة التَّعليميَّة التربويَّة شرق مدينة غزَّة، والَّتي تؤوي آلاف النازحين، وأسفرتْ عن ارتقاء عشرات الشهداء، وسقوط أكثر من مئة جريح، غالبيَّتهم من الأطفال والنِّساء.
وبالفعل، إنَّ المجزرة الجديدة، ووفق ما صرَّح به عزَّت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس، تُشكِّل جريمة وحشيَّة جديدة تُمعن من خلالها حكومة الاحتلال فوق الفاشي في استهداف المَدَنيِّين الأبرياء، في سياق عمليَّات الإبادة الجماعيَّة الَّتي تُنفِّذها في قِطاع غزَّة. هذه الجرائم النَّكراء، من ارتكاب المجازر الوحشيَّة، وتصعيد عمليَّات الإخلاء القسري للموطنين من أرض وطنهم ودُورهم ومنازلهم، وفرض سياسة التَّجويع، وإغلاق المعابر أمام كُلِّ مُقوِّمات الحياة؛ هي أركان إبادة جماعيَّة موصوفة بموجب القانون الدّولي، يرتكبها مُجرِم الحرب المهووس بالدَّم والقتل بنيامين نتنياهو وحكومته فوق الفاشيَّة، بغطاء سياسي وعسكري إجرامي من قوَّة متنفِّذة في العالَم، يجعل مِنْها شريكًا مباشرًا في ارتكابها.
نتنياهو الَّذي لا يريدُ لحربِ الإبادة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني أن تتوقفَ، بل يريد أن تبقَى مُشتعلةً مع ازدياد سعارها (من تسعير)، حتَّى لو طالتْ كُلَّ المنطقة، وهو ما يجري عمليًّا من خلال استهدافات تتمُّ في فلسطين ولبنان وجوارهما.
إلى هنا، إنَّ حالة العجز العربي أوَّلًا وأساسًا، والدّولي ثانيًا، غير المُبرَّر عن القيام بالدَّوْر المطلوب لوقفِ الإبادة ومحاسبة مُجرِمي الحرب الصَّهاينة، هو تعبير صارخ عن سقوط منظومة القِيَم والقوانين وما يُسمَّى بالشرعيَّة الدوليَّة الَّتي قَبلنا بها من أجْلِ التَّسوية والسَّلام.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك