من خلال الأسطر القادمة، سنُلقي الضَّوء على نمطٍ قيادي يُدمِّر المُوَظَّف والمؤسَّسة بشكلٍ عامٍّ، وهو أسوأ ما يُمكِن أنْ يواجهَ المُوَظَّف في مَسيرته العمليَّة. دعونا نتعرَّفْ على «القيادة السَّامَّة» ذات السُّلوكيَّات التَّدميريَّة تجاه المُوَظَّفِين، وقاتلةِ الحسِّ الإبداعي ومُدمِّرة الرُّوح الإبداعيَّة، أفضل ممارساتها هو الاستغلال، وغياب التَّعاطف والتَّجريح وفرض الرَّأي، وعدم الاكتراث بتحقيقِ التَّوازن بَيْنَ العمل والحياة لدَى المُوَظَّفِين، انعدام الرُّؤية التَّحفيزيَّة، دوام التَّفاخر، تعمُّد إعطاء التَّوجيهات الغامضة... أهدافهم الرَّئيسة هي التَّحكُّم والسَّيطرة وإعطاء انطباع وصورة إيجابيَّة عن أنْفُسهم وتعزيزها لدَى المستويات القياديَّة الأعلى، وترسيخ «اعتقاد بأنَّه الشَّخص الوحيد الَّذي يمتلك المهارات اللازمة لقيادة الفريق».
هذه الحالة الإداريَّة المُؤذية تؤدِّي تلقائيًّا إلى قتل الولاء والانتماء، وتؤدِّي إلى انخفاض أداء المُوَظَّفِين، وتراجع الابتكار، ويَقُودُ بشكلٍ إلى الإحباط وخلقِ بيئةٍ من الارتباك المتكرِّر، وصولًا لمستوياتٍ مُدمِّرة وارتباك أخطاء متكرِّرة، حيثُ يُنهكُه المدير «الغبي» بسُلوكيَّات غير مهنيَّة مِثل الاستبداد العاطفي وسُوء استخدام السُّلطة والتَّهديد المُبطَّن، وقد تُلقي به إلى مرحلة «الاحتراق الوظيفي ـ إن لم يحصلْ على المساعدة»، وهو ما (قَدْ يدفعُه ـ مرَّةً أخرى إن لم يحصلْ على المساعدة) إلى الهروب من الواقع العملي الَّذي يعيشه إلى واقع آخر، وقَدْ يكُونُ مؤذيًا صحيًّا واجتماعيًّا وعمليًّا.
تأثير المدير السَّام غير محصور على الأفراد فقط، بل يمتدُّ لِيُحدِثَ تشوُّهًا وظيفيًّا وإنتاجيًّا في الثَّقافة المؤسَّسيَّة العامَّة، إذ إنَّ السُّلوكيَّات السَّلبيَّة أمراضٌ مُعْدِية تنتقل إلى بقيَّة هيكل المؤسَّسة، مما يُنتج مناخًا مريضًا بالرِّيبة والتَّنافس غير الصحِّي، وسيغلب على الثَّقافة التَّنظيميَّة الصَّمْت والانسحاب وعدم الثِّقة وتكُونُ بيئة «سامَّة» لا تحتضن الشَّفافيَّة ولا تُكافئ المبادرة.
إنَّ تجاهل هذه المسلكيَّات والتَّهاون في عدم معالجتها سيؤدِّي إلى فقدان الكفاءات وارتفاع معدَّلات دَوَران المُوَظَّفِين، وهنا تبرزُ ضرورة أن تُبادرَ المؤسَّسات بتقييمِ «قياداتها، ووضع آليَّات للرَّقابة والتَّغذية الرَّاجعة من الأسفل إلى الأعلى، فالتَّغذية الرَّاجعة لا تكُونُ فقط من الأعلى للأسفل!!! ولَيْتَ قومي يعلمون أهميَّة هذا النَّوْع من التَّغذية والَّتي تُعَدُّ قوَّة خارقة في تعزيز الاستقرار المِهني والنُّمو التَّنظيمي وهو استثمارٌ مباشرٌ في رأس المال البَشَري يدعم بيئة العمل.
ولأنَّه ابتلاءٌ يَجِبُ التَّعامل معه، فقَدْ خصَّص فُقهاء وأطبَّاء الإدارة عددًا من الاستراتيجيَّات الَّتي تمنع المُوَظَّف من الوصول إلى مرحلة الاكتئاب والاحتراق الوظيفي، ومِنْها استراتيجيَّة (المواجهة والتَّكيُّف) بحيثُ يَقُومُ المُوَظَّف بمراجعة ذاتيَّة مستمرَّة وتحليل أدائه والتَّواصُل عَبْرَ (لُغة الأعمال) الَّتي تعتمد على الأرقام والنَّتائج بدلًا من المناشدات العاطفيَّة، وفي أحيانٍ أخرى يَجِبُ أن يكُونَ المُوَظَّف «مُعالجًا نَفْسيًّا» من خلال دراسة الدَّوافع النَّفْسيَّة للمدير فيَجِبُ دراسة ومعرفة متى يتحدَّث معه، ومتى يتجاهله؟ ويُعَدُّ هذا أُسلوبًا جيِّدًا لِتَقليلِ حدَّة المواجهات.
أسوأ الحلول ـ ورُبَّما أشرفها ـ بدلًا من الانهيار واستمرار الأثَر التَّدميري، وتأثيراته المتواصلة على طريقة حياة المُوَظَّف الاجتماعيَّة والصحيَّة، فإنَّ التَّفكير بخيارات بديلة ضرورة مُهِمَّة، ومِنْها قرار تركِ هذه البيئة المُرهِقة والَّتي يَسُودُها الشَّحن السَّلبي اليومي إلى بيئة أُخرى، فالاختيار العقلاني يُحتِّم على المُوَظَّف أن يُردِّدَ دومًا حكمة الشَّاعر:
ارحلْ بِنَفْسِك من أرضٍ تُضام بها... ولا تكُنْ من فراق الأهل في حَرَقِ
عزيزي المُوَظَّف/ة: إنَّ التَّعاملَ مع المدير السَّام يتطلب أكثر من الصَّبر؛ يتطلب وعيًا بالسُّلوكيَّات السَّلبيَّة، وفهمًا نظريًّا لطبيعة العلاقات المهنيَّة، ويُمكِن لبعض الحالات أن تتحسنَ من خلال الحوار والتَّواصُل. ولعلَّ أفضل العقاقير هي التَّشبُّث بالإيمان بقدراتك وثقتك بالله سبحانه وتعالى وتطوير ذاتك، ولا تتردَّد في اتِّخاذ قرارات جريئة، تَضْمن الاستقرار النَّفْسي والتَّقدُّم في مواصلة المَسيرة بعيدًا عن الطَّريق الَّذي قَدْ يَقُودُك إلى الاحتراق الوظيفي أو الإرهاق النَّفْسي المستمر.
المنتصر بن زهران الرقيشي
كاتب عُماني – الاتصالات الدولية والعلوم السياســـــية
مدرب متعاون في تنمية مهارات المدربين (TOT)
@mumtaserzr