الثلاثاء 01 أبريل 2025 م - 2 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

أعيادنا وخصائصها الربانية

الأربعاء - 26 مارس 2025 01:50 م
10

تمتاز أعيادنا نحن ـ المسلمين ـ بأنها أعياد ربانية، اِشْتَرَعَهَا لنا الله تعالى، ومَشَتْ بها سُنَّةُ رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وعمل بها صحابتُه الكرام، ومَنْ أتى بعدهم إلى يومنا هذا، وستظل إلى أن يرثَ الله الأرض، ومَنْ عليها، وهذه الأعيادُ لها خصائصُ، وتشملها سماتٌ تجعلها معروفة، وتكونُ وقفا على كل مسلم، لا يقلدهم فيها سواهم، إلا مَنْ دخل معهم، ودان بدينهم، ومشى بمتطلباتها، ومنها: أنها أعيادٌ ربانية، كتبها اللهُ لعباده المؤمنين، وشَرَعَهَا لهم من أجل الفرحة، والتخفيف عنهم، وإدخال المسرة على قلوبهم، وقلوب ذويهم، ويبيِّن لهم أن في الإسلام فسحةً كبيرةً للفرح، والتوسعة، والسعادة، والخروجِ، والتزاور، والمرح، فليس الأمرُ وقفُا على العبادة والطاعة فقط، وإنما هناك مساحةٌ غير قليلة من ترويح النفس، وتبادل المودة، وإدخال السعادة على كل مؤمن، ومؤمنة، طفلًا كان أم صبيًا، أم غلامًا، أم شابة، أم شيخًا، رجلًا كان أم فتاة، أم امرأة، في أي مكان من كون الله.

ومنها أنها أعياد تأتي عقب طاعة، قام بها المسلم، فكانت مكافأة له، وجزاءً في الدنيا قبل الآخرة، بما فيها من تحملٍ، وصبرٍ على لأواء الجوع، ولهيب العطش، وكثرة قراءة القرآن الكريم، والحرص على الصلوات في مواعيدها في المساجد، والدعاء، والقيام، والتهجد، وشغْل النفس بجليل الطاعة، وجميل العبادة، وطول الذِّكْر، والحرص على السُّنَنِ، ونقاء العين، وصفاء الصدر، وتقوى القلب، وعدم النظر إلى ما لا يحل للمسلم، فهي بمثابة المكافأة على شهر كامل يكون فيه المسلم مشدودًا صباحًا ومساءً، متيقّظًا لطاعته، ناظرًا في إخلاص عبادته لربه، قَوَّاما لله، صوَّامًا بكَّاءً، دائمَ الدعاء ومتواصلَ الرجاء، فيعطيه ربُّه عيدًا بأيامه الثلاثة يفرح فيه فرحًا كبيرًا برحمة ربه، وعفو مولاه، فـ(للمسلم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، والله تعالى يمتنُّ على الصائمين بقبول طاعتهم، وعبادتهم، وإجابة دعواتهم، قال تعالى في الحديث في سياق الحديث عن الصيام:(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، نعم، إنه الرشاد الصحيح، والتوفيق الحقيقي.

ومنها أنها أعياد تكافلية، تعاونية، تضامنية، يلتقي فيها الغنيُّ مع أخيه الفقير، والواجدُ مع المعدم، يتكافلون، فيعطي المقتدر غير المقتدر، ويحنُّ الغني على المفتقِر، ويعيش الجميعُ في أخوة راقية، وتكافلاتٍ سامية؛ ثَمَّ قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم):(اغنوهم عن السؤال في هذا اليوم).

نعم، إنه مظهر من مظاهر التكافل الرشيد، والتعاون السديد، يرى فيها المسلمُ المعوَز أخاه الغنيَّ الكريمَ، وقد عاد عليه بجزءٍ من ماله: تكريما، ومساندة، دونما إراقة ماءِ الوجه، ودونِ مَنٍّ أو تجريحٍ لمشاعره، أو مساسٍ بإحساسه، فيتعود الفقير أن يعطيَ لمن هو أفقر منه، ويعيش المجتمع بصفاتٍ الملائكة، ويتمتع بسمات الملأ الأعلى: أخوة، وتلاحمًا، وتكافلًا، وتعاونًا، ويرى الكون تسامح المسلمين، وتعاونهم.

ومنها أنها أعيادُ ترابطٍ، وتماسكٍ، وتآخٍ، وتوطيدٍ لأركان الأسر المسلمة، وتقوية لروابط القرابة المؤمنة، وتثبيت لدعائم المحبة بين الأسر المسلمة؛ حيث يعود المسلم على أخيه: زائرًا، ومهنئًا، ومباركًا، وقائلًا له:(كل عام، أنت وأسرتك بالخير والتوفيق، والسعادة، والهناء)، ويقول آخر:(أعاد الله عليكم تلك الأيام، وأنتم ترفلون في ثوب العز ورداء الرضا، وألوان الهناء والسعادة)، ويقول آخر:(هنيئًا لكم عيدُكم الكريم، بارك الله طاعتكم، وتقبل عبادتكم)، ويقول آخر:(عيد سعيد، وينعاد عليكم بالخير أنتم وأهليكم وكلِّ مَنْ تحبون)، وهكذا تتوالى التهاني بحسب المجتمعات، وما يقال فيها، والأكثر:(كل عام وأنتم بخير، أعاده الله عليكم بالخير، واليمن، والإيمان، والبركات)، وتشيع المودة، والأخوة، والترابط، والمحبة، وتتمتَّن علاقات الأسر بالتزاور، وأن يعطي الأبُ، أو الجدُّ، أو الأخ الأكبر بعض المال على الصغار، وعلى إخوته، وأخواته، مع الابتسام، والتهاني، والدعاء، ويوزع على الأطفال العطايا، والحلوى، وبعض المال (أو ما يُسَمَّى بالعِدِيَّة)، ويدخل على الجميع السعادة، والهناء، والسرور، والصفاء، والفرحة، والابتسامة.

ومنها أن فيها توسعة على النفس والأهل؛ وذلك بلبس الجديد من الثياب، والأبيض على وجه الخصوص منه، وإدخال السعادة على الجميع بشراء ملابس للعيد يظهرون بها، وتُحَلِّيهم، وتجَمِّلهم، ويكونون في أبهى حلة، وهم ذاهبون مع أهليهم، ومن قبل ذلك إلى مصلَّى العيد: رجالًا، ونساءً، وأطفالًا، وفي المصلَّى يوزع القائمون عليه (على الأطفال) حقائب ممتلئة بالحلوى، والبالونات، والشيكولاته كلون من ألوان إدخال الفرحة على الصغار، وعلى أهاليهم كذلك عندما يرون أطفالهم مبتسمين، فرحين، مسرورين؛ جراء ما أخذوه من الحقائب الممتلئة ذات الألوان البديعة، والمشتريات المتعددة، وما في داخلها من أشياءَ تُسعِد الأطفال، وتدخل عليهم الرضا، والبهجة، والسعادة، والمرح، والفرح، والبسمة.

هذا وهناك خصائصُ أخر من التعاون مع غير المسلمين، حيث إن الإسلام دين يعود على الأديان الأخرى بالتعاون، والتكافل، والتراحم، والقسط، والرحمة، يقول الله تعالى:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ...)، فيعود عليهم بمِنَحِهِ، وفضله، وتهنئتهم، وتبادل التهاني، والمحبة معهم، ويعيش الجميع في هناء، وترابط، وسعادة، وتضامن، وأخوة إنسانية تكون فوق التصور، وحياة رائعة دونها كل حياة، وكذلك مساعدة المحتاجين من غير المسلمين، والنهوض بحاجة المتعثرين، والوقوف إلى جانب المرضى، والمساكين، وغيرها من قيم الإسلام، وخصائصه في كل وقت، وحين، وخصوصًا أيامً الأعياد، ولحظات المسرات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.. وكل عام أنتم وأسركم جميعا بخير، وتقبل الله منا ومنكم، وطابتْ أعيادكم.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية

[email protected]