الثلاثاء 01 أبريل 2025 م - 2 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

متى يعلنون وفاة العرب؟

متى يعلنون وفاة العرب؟
الأربعاء - 26 مارس 2025 03:00 م

خميس بن عبيد القطيطي

80

خريطة «إسرائيل الكبرى» من النِّيل إلى الفرات الَّتي تتصدر الكنيست الصهيوني هي ليسَتْ نمطًا استعراضيًّا بقدر ما تُمثِّل حالة أيديولوجيَّة في العقليَّة الصهيونيَّة وتنتظر الفرصة المُواتية لها، ورُبَّما تكُونُ المرحلة الرَّاهنة هي الأسوأ عربيًّا استمرارًا لحالة التَّراجع في النِّظام الرَّسمي العربي، وذلك منذُ أوَّل ضربة تعرَّض لها النِّظام العربي بتوقيع اتفاقيَّة كامب ديفيد عام 1979م بَيْنَ مصر والكيان الصهيوني الَّتي أحدثتْ خرقًا كبيرًا في النِّظام العربي وخروجًا عن الصَّفِّ العربي وحيَّدتْ مصر عن الصِّراع العربي ـ الصهيوني، تلاه دخول صهيوني مباشر وبشكلٍ رسمي داخل المنظومة العربيَّة؛ رغم حالة الرَّفض الشَّعبي العربي واستعصاء التَّطبيع شَعبيًّا، إلَّا أنَّ غياب مصر وانقسام العرب أدَّى إلى انفراط العقد العربي وتمكَّن العدوُّ من احتلال عاصمة عربيَّة أُخرى (بيروت) عام 1982م، والتَّفاصيل اللاحقة معلومة سلفًا لدَى الجميع، ونحن الآن لَسْنَا بتفنيد ومحاكمة تلك الأحداث التَّاريخيَّة، لكنَّ السُّؤال هنا: بعد حرب أكتوبر عام 1973م ماذا قدَّم العرب في إطار العمل العربي المشترك لمواجهة العدوان الصهيوني المستمر والمدعوم دوليًّا؟ للأسف لا شيء! فلم نجدْ سوى بارقة أمل واحدة فقط هي المقاوَمة العربيَّة الَّتي تشكَّلتْ في فلسطين ولبنان واتِّصالها بمحور الإسناد الإيراني ـ السُّوري الَّذي كان محارَبًا من الأشقَّاء قَبل الأعداء. لقَدْ كان بإمكان العرب وضع أياديهم مع المقاوَمة والتَّمسُّك بها كورقةٍ رابحة يُمكِن المناورة بها في الصِّراع مع العدوِّ، لكن ـ للأسف ـ حتَّى مفهوم الصِّراع تحوَّل من صراع عربي ـ عربي بمعناه الجماعي إلى صراع فلسطيني ـ صهيوني، بل لم يسأمِ الأشقَّاء العرب من التَّصريح بأنَّ العرب هم مَنْ يُقدِّم الدَّعم للقضيَّة الفلسطينيَّة، لكن ما هي مفردات الدَّعم العربي؟ هل السَّلام، ومبادرة السَّلام؟ وهل الواقع الصهيوني يعترف بالسَّلام بِدُونِ غطاء؟! للأسف تجرَّدتِ القضيَّة من الدَّعم العربي؛ لأنَّ تلك الاتفاقيَّات لم تجلبْ للقضيَّة سوى الخراب؟! وبعد انفراط عِقد محور المقاوَمة (نسبيًّا) واستفراد العدوِّ بكُلِّ حلقات المحور من قِطاع غزَّة والضفَّة ولبنان إلى اليمن وصولًا إلى إيران، واشتداد العدوان الصهيوني على القِطاع بضَوءٍ أخضر أميركي لإقامة ما يُسمَّى «ريفييرا» الشَّرق الأوسط كما وصفها «ترامب» أي مُخطَّط لتهجير كامل سكَّان قِطاع غزَّة إلى دوَل الجوار أو دوَل أخرى، فأصبح التَّهديد موجَّهًا إلى الدوَل العربيَّة الَّتي نأتْ بِنَفْسِها عن المواجهة طوال تلك المُدَّة الزَّمنيَّة فيأتي التَّهديد إِلَيْها، خصوصًا مصر والأردن، لأنَّ هذا العدوَّ لا يرتدع عن العبَث بأمنِ الدوَل العربيَّة ولا تحكمه اتفاقيَّات سلام أو علاقات تطبيع؟! فللأسف وجدناه يخرق اتِّفاق وقف إطلاق النَّار في غزَّة ويعاود المرحلة الثَّانية من العدوان بشكلٍ أكثر ضراوة بلا رادع، وكذلك يخرق اتِّفاق وقف إطلاق النَّار في لبنان، ويتوسع في سوريا، ولا يستبعد افتعال مواجهة بَيْنَ لبنان وسوريا، والتَّهديد اليوم يشمل مصر والأردن بالتَّهجير على قاعدة العصا والجزرة، وكذلك تهديد بقيَّة الدوَل العربيَّة بالدُّخول في اتِّفاقات السَّلام الإبراهيمي، ودفع أتاوات تريليونيَّة، ومحاولات تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة.

المقاوَمة كانتْ تُمثِّل حائط الصَّدِّ الأوَّل عن الدوَل العربيَّة نَفْسِها، وبالتَّأكيد أنَّ مراكز أبحاث الدوَل العربيَّة تدركُ ذلك، ولو حاول الإعلام الرَّسمي إخفاء تلك الفكرة واتِّهام المقاوَمة ومحاربتها، والاعتقاد بأنَّ اتِّفاقات أبراهام ستُحقق الرَّفاه والازدهار والاستقرار لهذه الدوَل؟! لكنَّ الواقع يقول عكس ذلك. اليوم هناك اتِّفاق صهيوـ أميركي لتنفيذِ خطَّة تهجير للشَّعب الفلسطيني وهي مرفوضة عربيًّا بإعلان رسمي نظرًا لِمَا تحمله من مخاطر على الأمن القومي العربي، فماذا لدَى العرب لمجابهة هذه المخاطر؟! لقَدْ تجاوز العدوُّ الضَّرب بعُرض الحائط تلك الاتفاقيَّات مع الدوَل العربيَّة بفرض التَّهجير القسري رغم رفض الدوَل العربيَّة، وفرض ضريبة الحماية على بعض الدوَل العربيَّة كأمْر واقع، وثالثة الأثافي ما تتعرض له الكرامة العربيَّة من اغتصاب بفعل العدوان الصهيوني البربري منذُ عام ونصف على قِطاع غزَّة وقتل الأشقَّاء العرب في فلسطين دُونَ حراكٍ عربي؟! فهل النِّظام الرَّسمي العربي اليوم ينحاز مع العروبة والإنسانيَّة والأخلاق والشَّرعيَّة ومواثيق جامعة الدوَل العربيَّة؟ الإجابة للأسف «لا» بل إنَّ العجلة قد تأتي على العرب جميعًا.

لم تكُنْ «إسرائيل» بحاجة إلى مسوِّغات طوال الـ(77) عامًا من الاحتلال لِتقُومَ بالعدوان والممارسات الإجراميَّة في فلسطين وغيرها من البلاد العربيَّة؟! وما زال بعض العرب يتوهَّمون أنَّ غياب المقاوَمة وتوقيع اتفاقيَّات السَّلام الإبراهيمي مع العدوِّ سيجلب السَّلام الدَّائم مع الكيان الصهيوني التَّوَسُّعي؟! لا شكَّ أنَّ الإجابة على تلك التَّساؤلات سوف تفسِّر الحالة العربيَّة الرَّاهنة وحالة الغياب عن الواقع وحجم التَّراجع العربي.

الظُّروف اليوم مواتية لِتَحقيقِ حلم «إسرائيل الكبرى»، وإذا كانتِ المقاوَمة الَّتي أسقطَها العرب من حساباتهم استطاعتْ طوال العقود الماضية تعطيل هذا الكيان السَّرطاني، فعلى العرب اليوم مواجهة المصير الَّذي بدأ على حدودهم، وننتظر كيف سيتمكَّن العرب من الدِّفاع عن أنْفُسٍهم في مواجهة هذا الخطر الدَّاهم؟ في الحقيقة كنَّا منذُ عُقود وما زِلْنا نعوِّل على المقاوَمة بمختلف مستوياتها الثَّقافيَّة والمُسلَّحة؛ لأنَّنا نعلم أنَّ هذا العدوَّ لا يحمل في بنيته السَّلام مطلقًا إلَّا في حالة واحدة وهي سلام القوَّة، فإذا لم تمتلك الدوَل العربيَّة أدوات القوَّة أو بالأحرى إذا فرَّط العرب في وسائل القوَّة، وخصوصًا وحدة الموقف العربي والسِّيادة، وما يمتلكه العرب من ثروات وموقع استراتيجي، واستخدام أوراق القوَّة الشَّعبيَّة لمواجهةِ العدوِّ، والتَّلويح بفتح باب التطوع للشعوب العربيَّة والاسلاميَّة لمناصرة الأشقَّاء في فلسطين الَّذين يتعرضون لإبادة جماعيَّة ويتضوَّرون جوعًا باستمرارٍ إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانيَّة، ومحاولة فرض التَّهجير بالقوَّة القاهرة، وهذه حالة من حالات القَهْر والضَّيم تأباها الدِّماء العربيَّة ويرفضها أبناء فلسطين ولن تتحققَ بِعون الله. فإذا كان النِّظام العربي تخلَّى عن كُلِّ تلك الأوراق فعلى العرب انتظار نتائج التَّفريط، أو التَّحرك قَبل أن يأتيَ زمان يفرض فيه العدوُّ الصهيوني إرادته على الأرض والعِرض والحقوق العربيَّة بشكلٍ تامٍّ حين لا ينفع النَّدم، فهل يستدرك النِّظام العربي ما فاتَ ويتحرَّك قَبل فوات الأوان؟ أم ما زال النِّظام العربي يعوِّل على السَّلام على طبَقٍ من ذَهَبٍ؟!

الشَّاعر الكبير نزار قباني قال في مفكرة عاشق دمشقي:

أدمت سياط حزيران ظهورهم... فأدمنوها وباسوا كفَّ من ضربا

وطالعوا كتُب التَّاريخ... متى البنادق كانتْ تسكن الكتبا؟! وحذَّر قَبل نصف قرن من الزَّمان في قصيدته «متى يعلنون وفاة العرب»:

فيا للعَجَبْ!!

لم أرَ إلَّا قبائل ليسَتْ تُفرِّق ما بَيْنَ لحم النِّساء...

وبَيْنَ الرُّطَبْ...

فيا للعَجَبْ!!

لم أرَ إلَّا جرائد تخلع أثوابها الدَّاخليَّهْ...

لأيِ رئيسٍ من الغيب يأتي...

وأيِ عقيدٍ على جُثَّة الشَّعب يمشي...

فيا للعَجَبْ!! فماذا سيكتب نزار العربي الَّذي يأتي في هذه المرحلة الدَّقيقة من تاريخ الوطن العربي، ويشاهد ما يحدث في واقع هذه الأُمَّة الآن.. اللَّهُمَّ هل بلغت اللَّهُمَّ فاشهد.

خميس بن عبيد القطيطي

[email protected]