الاثنين 31 مارس 2025 م - 1 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : اقتصاد متنوع ومستقبل واعد

الأربعاء - 26 مارس 2025 06:35 م

رأي الوطن

40

تواصلُ سلطنة عُمان مَسيرتها نَحْوَ تحقيق التَّنمية الاقتصاديَّة المستدامة والشَّاملة، مستندةً إلى رؤية (عُمان 2040)، الَّتي تُعَدُّ خريطة طريق طموحة ترسم ملامح المستقبل الاقتصادي للبلاد. وتنصبُّ الجهود الحكوميَّة على بناء اقتصاد قوي ومتنوِّع، لا يعتمد فقط على النِّفط، بل يرتكز على قِطاعات إنتاجيَّة وخدميَّة متنوِّعة، وهو ما تعكسُه المؤشِّرات الاقتصاديَّة الحديثة، فقَدْ شهدَ النَّاتج المحلِّي الإجمالي بالأسعار الثَّابتة بنهاية الرُّبع الرَّابع من عام 2024 نموًّا بنسبة (1.7%) لِيصلَ إلى (38.3) مليار ريال عُماني مقارنةً بـ(37.67) مليار ريال عُماني في الفترة ذاتها من 2023، في دلالة واضحة على صلابة الاقتصاد العُماني وقدرته على تحقيق النُّمو رغم التَّحدِّيات العالَميَّة، فهذه الأرقام تعكس استقرارًا اقتصاديًّا يُحسب للحكومة العُمانيَّة، الَّتي لم تكتفِ بالحفاظ على الأداء الاقتصادي، بل نجحتْ في دفعه إلى الأمام وسط بيئة اقتصاديَّة عالَميَّة مليئة بالتَّحدِّيات.

ورغم التَّراجع الطَّفيف في الأنشطة النِّفطيَّة بنسبة (3%)، الَّذي أدَّى إلى انخفاض قِيمتها المُضافة إلى (11.84) مليار ريال عُماني، إلَّا أنَّ هذا التَّراجع يُعزِّز منطق التَّنويع الاقتصادي الَّذي تسعَى إِلَيْه البلاد منذُ سنوات، فالاعتماد الكُلِّي على النِّفط لم يَعُدْ خيارًا استراتيجيًّا، لذا فإنَّ ارتفاع القِيمة المُضافة للأنشطة غير النِّفطيَّة بنسبة (3.9%)، لِتصلَ إلى (27.87) مليار ريال عُماني، يعكس نجاح الجهود في تنويع مصادر الدَّخل. ويبرز هنا قِطاع الغاز الطَّبيعي، الَّذي سجَّل نُموًّا بنسبة (5.4%)، وهو ما يؤكِّد على الرُّؤية المستقبليَّة للحكومة العُمانيَّة في تطوير هذا القِطاع لِيكُونَ رافدًا أساسيًّا في الاقتصاد، كذلك فإنَّ نُموَّ الأنشطة الصِّناعيَّة إلى (8.39) مليار ريال عُماني، مقارنةً بـ(7.99) مليار ريال عُماني في 2023، يُعَدُّ مؤشِّرًا على تطوُّر القِطاع الصِّناعي ونجاح المبادرات الَّتي تدعم التَّصنيع المحلِّي والاستثمار في المشاريع الإنتاجيَّة، كما أنَّ قِطاع الزِّراعة وصيد الأسماك، الَّذي بلغتْ قِيمتُه المُضافة (987) مليون ريال عُماني، يعكس الاهتمام بتطوير الأمن الغذائي وتعزيز الإنتاج المحلِّي، وهو أمْر بالغ الأهميَّة في تحقيق الاستدامة.

ولا يُمكِن تجاهل الدَّوْر المحوري للأنشطة الخدميَّة، الَّتي استحوذتْ على النَّصيب الأكبر من القِيمة المُضافة، مسجِّلةً (18.48) مليار ريال عُماني. هذا يعكس توسُّع القِطاعات الخدميَّة مِثل السِّياحة، اللوجستيَّات، والتكنولوجيا الماليَّة، وهي قِطاعات تُمثِّل ركيزةً أساسيَّة في تحقيق الاستدامة الاقتصاديَّة، كما أنَّ نشاط الإنشاءات، الَّذي أسْهَم بنِسبة (9%) من إجمالي النَّاتج المحلِّي، يُبرز استمراريَّة المشاريع التَّنمويَّة الكبرى، سواء في البنية الأساسيَّة، أو المُدُن الاقتصاديَّة الجديدة، الَّتي تُعَدُّ جزءًا رئيسًا من رؤية «عُمان 2040»، بالإضافة إلى مساهمة تجارة الجملة والتَّجزئة بنِسبة (8%)، والإدارة العامَّة والدِّفاع بنسبة (9%)، حيثُ تؤكِّد هذه الأرقام أنَّ السِّياسات الحكوميَّة تَسير في اتِّجاه تحقيق توازن اقتصادي بَيْنَ القِطاعات المختلفة، اللافت هنا أنَّ (45%) من النَّاتج المحلِّي للأنشطة غير النِّفطيَّة يأتي من قِطاعات متنوِّعة، ما يعكس اتِّساع قاعدة الاقتصاد العُماني ويُشير إلى نجاح الخطط الحكوميَّة في بناء اقتصاد أكثر استدامة بعيدًا عن تقلًّبات أسعار النِّفط. هذه المؤشِّرات ليسَتْ مجرَّد أرقام، بل هي دليل دامغ على أنَّنا نَسير بخُطًى ثابتة نَحْوَ تحقيق اقتصاد متنوِّع ومستدام، فلقَدْ أثبتتِ السَّلطنة قدرتها على مواجهة التَّحدِّيات الاقتصاديَّة العالَميَّة، واستثمرتْ في المستقبل بذكاء عَبْرَ سياسات ماليَّة متوازنة، وتشجيع الاستثمارات المحلِّيَّة والأجنبيَّة، وتطوير بيئة الأعمال، وبفضل الرُّؤية السَّديدة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ أصبحتْ عُمان نموذجًا يُحتذى به في العالَم العربي، حيثُ تتحوَّل تدريجيًّا من اقتصاد يعتمد على الموارد الطَّبيعيَّة إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار والإنتاجيَّة العالية، فهذه المَسيرة التَّنمويَّة ليسَتْ مجرَّد طموح، بل واقع يترجم إلى مشاريع تنمويَّة واستثمارات نَوعيَّة، ستجعل من عُمان واحدة من أكثر الاقتصادات استقرارًا ونُموًّا في المنطقة خلال العقود القادمة. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ السِّياسات الحكيمة الَّتي تُنتهج، والجهود المبذولة لتطوير البنية الأساسيَّة، وجذب الاستثمارات، تُعزِّز من مكانة سلطنة عُمان كمركز اقتصادي واعد، قادر على المنافسة إقليميًّا ودوليًّا، وتحقيق الرَّفاهيَّة لمواطنيها على المدَى الطَّويل.