تماشيًا مع أولويَّات رؤية «عُمان 2040»، يواصلُ جهاز الاستثمار العُماني تنفيذ استراتيجيَّته للتَّخارج من عددٍ من الشَّركات المملوكة أو التَّابعة له، بهدف تعزيز كفاءة تلك الشَّركات واستقطاب الاستثمارات المحليَّة والأجنبيَّة. وفي هذا الإطار، تمَّ إدراج عدَّة شركات في بورصة مسقط خلال الفترة الماضية، من بَيْنِها «أبراج» لخدمات الطَّاقة، و»أوكيو» لشَبكات الغاز، و»أوكيو» للاستكشاف والإنتاج. وشهدنا مؤخرًا خلال شهر مارس من هذا العام طرح اكتتاب آخر لشركة «أسياد» للنَّقل البحري، الَّذي يُمثِّل خطوةً جديدة في مسار خصخصة أحَد أهمِّ القِطاعات الحيويَّة في سلطنة عُمان.
تُعَدُّ شركة «أسياد» للنَّقل البحري واحدة من أكبر الشَّركات العالَميَّة في قِطاع النَّقل والشَّحن البحري، حيثُ تمتلك مجموعة متكاملة من الأصول والقدرات التَّشغيليَّة، تشمل خدمات الخطوط الملاحيَّة المنتظمة، إدارة السُّفن، والتَّأجير البحري. كما تُشغِّل الشَّركة أسطولًا متنوِّعًا يضمُّ (89) سفينةً، يخدم مختلف القِطاعات الصِّناعيَّة والتِّجاريَّة، ويوفِّر خدماته لأكثر من (60) دَولةً حَوْلَ العالَم.
لقَدْ طرحتْ «أسياد» للنَّقل البحري (20%) من إجمالي رأس مال الشَّركة، وبلغتِ الحصَّة المُحدَّدة لفئة الأفراد (25%) من إجمالي حجمِ الطَّرح بقِيمة سعريَّة تبلغ (123) بيسة للسَّهم، وفي حين أنَّ سعر فئة المؤسَّسات تتراوح بَيْنَ (117) بيسةً إلى (123) بيسةً. وقد تمَّ إدراج أسْهُم الشَّركة في بورصة مسقط في الـ(12) من شهر مارس من هذا العام.
ووفقًا لمصادر مطَّلعة، تعتزم الشَّركة توزيع أرباح تقارب (22.3) مليون ريال عُماني للمُسْهِمِين، تُدفع في شهر مارس 2025، استنادًا إلى أدائها خلال السَّنة الماليَّة المُنتهية في الـ(31) من ديسمبر 2024. كما تُخطِّط الشَّركة توزيع أرباح إضافيَّة تبلغ حوالي (29) مليون ريال عُماني، تُدفع في سبتمبر 2025، بناءً على أداء الشَّركة خلال النِّصف الأوَّل من عام 2025. إضافةً إلى ذلك، من المتوقَّع توزيع أرباح أُخرى بقِيمة (29) مليون ريال عُماني في شهر مارس 2026، استنادًا إلى نتائج الشَّركة للسَّنة الماليَّة المُنتهية في الـ(31) من ديسمبر 2025.
وفقًا للبيانات الإحصائيَّة، شهدتِ الشَّركات الجديدة المُدرجة في بورصة مسقط خلال عامَي 2023 و2024 تداولات بلغتْ (521.1) مليون ريال عُماني، ما يُمثِّل (41.1%) من إجمالي قِيمة التَّداولات في البورصة خلال تلك الفترة. ومن الملاحظ أنَّ الصَّناديق الاستثماريَّة الكبرى والشَّركات الاستثماريَّة والأفراد قد ركَّزوا استثماراتهم بشكلٍ كبير على الشَّركات الجديدة المُدرجة، ممَّا أدَّى إلى ضخِّ سيولة كبيرة في السُّوق لصالحِ هذه الشَّركات. وقد انعكس ذلك بشكلٍ ملموس على أداء الأسْهُم الأُخرى المُدرجة في البورصة، حيثُ شهدَ بعض الشَّركات انخفاضًا في أسعار أسْهُمِها نتيجةً لتحوُّل المستثمِرِين نَحْوَ الاكتتابات الجديدة.
من جانب آخر، سجَّل مؤشِّر بورصة مسقط في ديسمبر 2024 أدْنَى مستوياته، ممَّا أثَّر على اتِّجاه أداء السُّوق. ويُعزى هذا التَّراجع إلى طرح عددٍ من الاكتتابات الضَّخمة المُتتالية خلال فترات قصيرة، ممَّا أدَّى إلى تراجُع زخَم التَّداول لبعضِ الشَّركات في السُّوق. كما يرَى بعض المُحلِّلين الماليِّين والمستثمِرِين أنَّ تسعيرَ بعض الاكتتابات الأخيرة عِندَ مستويات مرتفعة أسهَمَ في حدوث انخفاض حادٍّ في أسعار أسْهُمِها بعد إدراجها للتَّداول، ممَّا أثَّر على ثقة بعض المستثمِرِين وانعكسَ بتراجعٍ نِسبي في شهيَّة الاستثمار في سُوق البورصة.
في الختام، يظلُّ تعزيز مكانة بورصة مسقط محليًّا وعالَميًّا هدفًا مشتركًا يتطلب جهودًا متكاملة من الجهات المُشرِفة على قِطاع سُوق البورصة. ولتحقيقِ ذلك، من الضَّروري العمل على تعزيز الاستقرار في بورصة مسقط، حيثُ أدَّى طرح عددٍ من الإدراجات المُتتاليَّة إلى زيادة المعروض من الأسْهُم، ممَّا أسْهَمَ في تراجع أسعار أسهُمِ بعض الشَّركات في السُّوق.
ولتعزيزِ ثقة المستثمِرِين، لا بُدَّ من إعادة النَّظر في آليَّات تسعير الاكتتابات الجديدة بحيثُ يتمُّ تحديد أسعار الطَّرح بشكلٍ يعكس القِيمة العادلة للأسْهُم، ويُحقِّق مكاسب مُجْدية للصَّناديق الاستثماريَّة والأفراد والشَّركات. لذلك فإنَّ وجود أسعار طرح جاذبة سيُسهم في تحفيز الطَّلب وزيادة الإقبال على الأسْهُم ليس فقط خلال فترة الاكتتاب، بل أيضًا على الاستثمار في أسْهُم الشَّركات المُدرجة في سُوق التَّداول ممَّا يُعزِّز من استدامة الاستقرار في سُوق بورصة مسقط.
د. يوسف بن خميس المبسلي
متخصص في العلوم المالية والاقتصاد