الأربعاء 02 أبريل 2025 م - 3 شوال 1446 هـ

غـــــــــزوة مؤتــــة «2»

الأحد - 23 مارس 2025 01:08 م

أحبابي الكرام.. إنّ لغزوة مؤتة أحداثًا غاية في العجب، حيث (أنه لما أصيب القوم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للناس في المدينة، فيما بلغني: أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدًا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدًا، قال: ثم صمت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدًا، ثم قال: لقد رفعوا إلي في الجنة، فيما يرى النائم، على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سريري صاحبيه، فقلت: عمًّ هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد، ثم مضى) كذا في (سيرة ابن هشام، ت: السقا 2/‏ 377)، وقال ابن إسحاق: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أسماء بنت عميس فقال: ائتيني ببني جعفر، قالت: فأتيته بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، أصيبوا هذا اليوم، قالت: فقمت أصيح، واجتمعت إلي النساء، وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعامًا، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم) (سيرة ابن هشام، مرجع سابق 2/‏ 378)، (ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري، روى الطبراني عن أبى اليسر قال: أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب ابن رواحة، فدفعها إلى خالد وقال: أنت أعلم بالقتال مني، فلما أخذ الراية دافع القوم، وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، ففتح الله عليهم بإمرة خالد، حتى انصرف بالناس وأقبل بهم قافلًا، فلما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون) (سيرة ابن هشام، ت: السقا 2/‏ 383)، يقول صاحب كتاب (رجال حول الرسول، ص: 213): (زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام، تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاءً منقطع النظير، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ، ففتح الله علي يديه، إنه الذي سارع إلى غزوة مؤتة جنديًا عاديًا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش والذين استشهدوا بنفس الترتيب على أرض المعركة الضارية، واعتلى العبقري خالد جواده، ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنّما يقرع أبوابها مغلقة وآن لها أن تفتح على طريق طويل سيقطعه البطل وثبًا، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرًا كان مقدورًا، ولّي خالد إمارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد، فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، ظافر مدمدم، ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئًا، فتجعل المغلوب غالبًا، والغالب مغلوبًا.. وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريًا لكي ينجزه، هو وقف الخسائر في جيش الإسلام، والخروج ببقيته سالمًا، أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة، بيد أن انسحابًا كهذا كان من الاستحالة بمكان، ولكن! إذا كان صحيحًا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلباً من خالد، ومن أروع عبقريةً وأنفذ بصيرة..؟! هنالك تقَّدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء، ويقسم جيشه، والقتال دائر، إلى مجموعات، ثم يكل إلى كل مجموعة بمهامها، وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى، بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الإسلام من كارثةٍ ماحقة ما كان لها من زوال، وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم (خالد سيف الله المسلول).. وهكذا انتهت المعركة.

محمود عدلي الشريف

[email protected]