كلام اللَّيل يمحوه النَّهار، هذا ما تُشير إِلَيْه التَّصرُّفات الرَّعناء للرَّئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يجثم على صدر هذا الإقليم بحاملات الطَّائرات والبوارج الحربيَّة المُسانِدة لها، ويُفخِّخ هذا الإقليم بأشدِّ القنابل فتكًا، في تناقضٍ يُتخم بطون الكلاب بَيْنَ ما نادَى به في حمْلتِه الانتخابيَّة بأنَّ أولويَّاته هي إعادة ترتيب البيت الأميركي، ورفضُ المغامرات العسكريَّة الخارج والتَّكيُّف مع التَّسويات الممكنة.
هذا التَّناقض يؤكِّد أنَّ دغدغة العواطف هي سِمة انتخابيَّة مُوَجَّهة إلى الدَّاخل لا بُدَّ مِنْها، في حين أنَّ النَّاخب الأساس في الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة ذات ديمقراطيَّة الحزبَيْنِ (الجمهوري والديمقراطي) اللَّذيْنِ يتناوبان على الرِّئاسة ليس المواطن الأميركي، وإنَّما اللوبيَّات المُتعدِّدة، من اللوبي الصهيوني إلى المُجمَّع الصِّناعي العسكري، ولوبي الشَّركات العابرة للحدود.
لذلك لا أحَد يستغرب حالة التَّوافُق الكامل بَيْنَ الرَّئيس المنتخب وقادة كيان الاحتلال الصهيوني وتقاسمهم النَّظرة الدُّونيَّة لشُعوب هذا الإقليم والاستخفاف بدمائها ونهب ثرواتها، والعبَث بجغرافيَّة دوَله وديموغرافيَّتها، وتحطيم مفهوم الدَّولة الوطنيَّة، وتمزيق أيِّ مظهر من مظاهر السِّيادة والاستقلال والقوَّة لدَى أيِّ دَولةٍ من دوَل هذا الإقليم، قَدْ تُمثِّل تهديدًا وجوديًّا في زعم العدوِّ الصهيوني وحليفه الأميركي.
من الواضح أنَّ هذا التَّصعيد الأميركي الَّذي يَقُودُه ترامب ضدَّ اليمن وضدَّ الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، وقَبْلَ ذلك مُهدِّدًا قِطاع غزَّة بالجحيم، لا يعكسُ الوفاء وردَّ الجميل للآتين به إلى كرسي الرِّئاسة والمُتمثِّلين في اللوبي الصهيوني والمُجمَّع الصناعي العسكري فحسب، وإنَّما لِيُؤكِّدَ أنَّ المُخطَّط الَّذي بدأ في العام 2011م عَبْرَ لافتته العريضة الكاذبة «الرَّبيع العربي» هو لرسم خريطة الإقليم من جديد يكُونُ كيان الاحتلال الصهيوني هو شُرطي هذا الإقليم والقوَّة الضَّاربة لتأمين مصالح قوى الاستعمار والإمبرياليَّة بقيادة الولايات المُتَّحدة.. وهذا لا يتأتَّى إلَّا عَبْرَ تحقيق الحلم التّلمودي بما يُسمَّى «إسرائيل» الكُبرى من النِّيل إلى الفُرات، وقَدْ بدأتْ بالفعل ثمار هذا المُخطَّط الحقيقيَّة بالظُّهور والحصاد بُعَيْدَ النَّجاح في اغتيال رجالات المقاوَمة في فلسطين (يحيى السنوار، وإسماعيل هنيَّة، ومحمد الضَّيف، وغيرهم) وفي لبنان (حسن نصرالله، هاشم صفي الدين، وغيرهما) وما تبع ذلك من تدحرج أشْبَه بأحجار الدُّومينو من حيثُ دوَل جوار كيان الاحتلال الصهيوني. وعَلَيْه، فإنَّ قيادة هذا المُخطَّط نَحْوَ نهاياته يحتاج إلى شخصيَّة مُتهوِّرة وحمقاء مُتمثِّلة في شخص دونالد ترامب بما بَيْنَ يدَيْه من ترسانة جبَّارة، وهذا ما بَدَا واضحًا من خلال الضَّرب بعُرضِ الحائط كُلَّ الإدانات والمحاكمات الَّتي يُفترض أنْ تُلقيَ به في السِّجن أو على الأقلِّ حرمانه من التَّرشُّح للانتخابات الرِّئاسيَّة.
إنَّ مشهد الإقليم اليوم في صورته البانوراميَّة، الَّذي يَقُودُه المحاربان ترامب و(نتن ياهو)، أضحَى واضحًا ومهيَّأً لِرَسْمِ خرائطه من جديد من حيثُ حالة الهوان والتَّفكُّك، ومن حيثُ مستوى العمالة والخيانة الَّتي عملتْ منذُ العام 2011م وحتَّى اليوم وغدًا على تمرير المُخطَّط لصالحِ كيان الاحتلال الصهيوني وقوى الاستكبار والاستعمار بقيادة الولايات المُتَّحدة ولِتَصفيةِ القضيَّة الفلسطينيَّة.
ختامًا، للظُّلم جولة وللحقِّ دَولة، ولا يصحُّ في النِّهاية إلَّا الصَّحيح، وفي التَّاريخ عِبَر ومواعظ، والقوَّة مهما بلغ جبروتها وعظَمَتها لم تُحقِّق نصرًا كاملًا، والشُّعوب الحُرَّة قادرة على صُنع النَّصر ـ بِحَوْلِ الله ـ في هذا الإقليم.
خميس بن حبيب التوبي