الأربعاء 02 أبريل 2025 م - 3 شوال 1446 هـ

العدول فـي القرآن الكريم وأهم دلالاته البلاغية والتربوية

الأحد - 23 مارس 2025 01:05 م
10


«العُدولُ فـي البِنْيَة وأثره فـي الدلالة القرآنية التذكير والتأنيث فـي الفعل «نماذج من القرآن الكريم» «4»

.. وأولها أن يقوموا بما آمنوا به خير قيام، وألا يتخلوا عنه مهما كان المسير، والمصير، ويدافعوا عما أخذوه على أنفسهم من عهود، ومواثيق مغلظة، مهما كانت النتائج، وجاءت به العواقب، ولكنهم هنا أخلوا بذلك، والقرآن الكريم بيَّن لهم ذلك:(قَالتِ الأعرابُ آمنّا)، وعقب بأنهم قد نقضوا كلامهم:(قل لم تؤمنوا)، وأن الحقيقة هي:(ولكن قولوا أسلمنا)، أي: أنّكم لستم عند حد ما تفوهتم به، ولم تلتزموا بمتطلبات الإيمان، ولا مقتضياته، ولم تنفذوا تبعاتِه، وتكليفاته، فاستحققتم أن تخرجوا من ربقة الرجال، ولا تسلكوا في زمرتهم، فلتنتهبوا إلى شريحة أخرى غير شريحة الرجال، شريحة الإناث، ويأتي لفعل معكم مؤنّثًا لا مذكّرًا؛ لأنكم لم تكونوا عند أخلاق الرجال، ولم تتَّسموا بسماتِهم، ولم تثبتوا عند مطلوب الدين، فعدل القرآن الكريم عن صيغة التذكير إلى صيغة التأنيث، ليس لعلة جواز ذلك فقط، بل ليضعنا أمام أُناسٍ خالفوا طبائعهم، وأصرُّوا على أن يخرجوا إلى جنس آخر غير جنسهم، جنس معروف بالدلال، والخَفَر، والدلع، ونقْض العهد، وعدم الثبات على الأمر، والتفلُّت لأهونِ سبب، فلتكونوا معهن، ولتتصفوا بصفاتهن، وتخرجوا من عهد الرجال، وتكاليفه العظام، وتبعاته الجسام، ولتخلدوا إلى جو النساء والإناث بسبب هذا القول الذي يخالف منكم الفعلَ، والتفوه بما لم يتحقق فيكم، فلا تستحقون وصف الرجولة، ويأتي الفعل معكم مؤنثا؛ لأن وصف الأنوثة هنا هو أولى بكم، وأليق، وأنتم عندئذ أهله، وأنتم ناسه، فليأت الفعل معكم مُؤَنّث لا مُذكّرًا.

فقد حقق العدول هنا من التذكير إلى التأنيث معنًى كبيرًا، وهدفا نبيلا؛ ليأخذ غيرهم من ذلك درسا، ويَعِيَ مبدأ كبيرا خلاصته: أن الذي لا يلتزم بما عوهد عليه من الرجال، فلا يطلق عليه وصف الرجال، ولا يستحق أن يُدرَج معهم، ولا أن يسلك سبيل الرجال الكبار، وإنما مكانه، ومقامه مع النساء، وتؤنث معه الأفعال والضمائر، وغيرها.

والنموذج الثالث: والمقابل للنموذج الثاني، والمكمِّل له هو قوله تعالى:(وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) (يوسف ـ 20).

في تلك الآية جاء الفعل:(قال) مذكرا، ولم تلحقه تاءُ التأنيث على الرغم من الفاعل هو(نسوة) اسم جمع لامرأة، فكان مقتضى ذلك أن يأتي السياق بفعل مؤنث:(وَقَالَت نِسوَةٌ في المَدِينَةِ) ، غير أن القرآن الكريم عدل عن ذلك، وجاء بالفعل مذكرا:(وقال نسوة)، وصحيح أن الكلمة اسمُ جمع، لا اسم جنس، واسم الجنس نوعان: اسم جنس إفرادي، واسم جنس جمعي، والإفرادي هو الذي يصدق على القليل والكثير من الماهية (أي: من الحقيقة الذهنية) من غير اعتبار للقلة، أو الكثرة، مثل:(هواء، ضوء ، دم، ماء، وخل ورمل، ونحوها).

واسم الجنس الجمعي: وهو ما تضمن معنى الجمع دالا على الجنس، ويميز بينه وبين مفرده بالتاء، أو ياء النسبة، مثل:(تفاح وسفرجل وبطيخ وتمر وحنظل)، ومفردها هو تفاحة، وسفرجلة، وبطيخة، وتمرة، وحنظلة)، والثاني مثل:(عَرَب، وتُرْك، وروم، وزنج ويهود، ومفردها: عربيّ، وتركيّ، وروميّ، وزنجيّ، ويهودي).

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية

[email protected]