تعلمت على مدى السنوات الطويلة التي قضيتها في عملي الكثير من تجارب الحياة، فهي المدرسة التي نتعلم منها وتنورنا في الكثير من صنوف الحياة لا تختزلها الكتب ولا تعلمنا إياها مقاعد الدراسة، ومشاهدتها على عين الواقع تلتمس ما هو صدقًا منها وما هو غير ذلك. ومع انتشار الفِرق الخيرية ربما في جميع ولايات هذا الوطن والجمعيات والمؤسَّسات الخيرية التي تُقدِّم دعمها للكثير من شرائح المجتمع ولم تَعُدِ الحاجة مقتصرةً على الفقير، بل امتدت لأبعد من ذلك، منهم غير القادر على تكملة مشروعه السكني، ومنهم من وقَع في فخ النصب والاحتيال، ومنهم من سُرِّح من عمله ولم يَعُدْ يجد ما يسدُّ رمقَه ورمق أُسرته، ومنهم مَنْ تعثَّر في استكمال دراسة أحد أبنائه، والكثير من المشاهد اعتدنا على ملامستها، وتلك المؤسَّسات تقوم بِدَوْرها وواجبها، ولكنَّها هي الأخرى تجد الدعم المادي من الأفراد والمؤسَّسات وبحاجة إلى المزيد من ذلك الدعم، وقد أصبحنا في مجتمع ـ ليس الكل، وإنما بعض الأماكن ـ قد لا يسأل الجار عن جاره والأخ عن أخيه، بل من أصعب المشاهد التي مرَّت علينا بأن تذرف الأُمُّ دمعتها وكذلك الأب بأنَّ أبناءهما لا يسألون عنهما، وإذا مروا عليهما مروا سلامًا، ولكن الله سبحانه وتعالى يسخر للبعض الغريب ويكون بارًّا بهم وأحنَّ عليهم من الأبناء، وتجد مشهدًا آخر كيف يسجد الابن تحت قدَمَي والدته لخدمتها. ومن بين القصص التي شاهدتها لرجُلٍ بلغ من العمر بعد الخمسين ولم يتزوج؛ لأنَّه يقوم بخدمة والدته المقعدة ويخاف من تأتي زوجة له لا تقوم بما يقوم به هو، وأُمُّه لا تنام إلَّا وقد وضعتْ يدها على رأسه وكأنَّها تستشعر به عندما كان طفلًا، يقول الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم (أحَبُّ النَّاس إلى الله تعالى أنفعهم للنَّاس، وأحَبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مُسلِم)، وكم من غير مُسلِم دخل الإسلام بفضل التعامل معه والحرص على رعايته والاهتمام به. فدِيننا الإسلامي عظيم وحياتنا الاجتماعية بطابعها الدِّيني والإسلامي عظيمة تعلّمنا معنى الأخوة والإخلاص والترابط فيما بيننا والتماس حاجات بعضنا البعض.
يونس المعشري
كاتب عماني