الأربعاء 26 مارس 2025 م - 26 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : تراكمات ملفات التوظيف والتسريح والقوى العاملة الوافدة وتداعياتها على الأمن الوطني

في العمق : تراكمات ملفات التوظيف والتسريح والقوى العاملة الوافدة وتداعياتها على الأمن الوطني
السبت - 22 مارس 2025 01:04 م

د.رجب بن علي العويسي

80


تُمثِّل ملفات التَّوظيف والتَّشغيل والوظائف والقوى العاملة الوافدة أحد أكثر الملفات حضورًا في المشهد العُماني، في ظلِّ معطيات باتَتْ تعكس أهميَّة تكاتف الجهود الوطنيَّة وتكامل العمل المؤسَّسي، وعَبْرَ تَبنِّي سياسات وطنيَّة أكثر استدامة للحدِّ من تداعيات هذه الملفات على الأمن الوطني بمفهومه الشَّامل، وخصوصًا في أبعاده الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة ذات الصِّلة بالثَّوابت والهُوِيَّة الوطنيَّة والولاء والانتماء والمواطنة، أو ما يتعلق مِنْها بارتفاع مستوى الجرائم الاقتصاديَّة والظَّواهر السَّلبيَّة والمشوِّهات الفكريَّة الَّتي قد تؤثِّر على منظومة الأمن والمكاسب الوطنيَّة النَّوعيَّة المُتحقِّقة لها، ولما لمسألة ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل والمُسرَّحِين وانتشار الأيدي العاملة الوافدة لها تداعياتها على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

عَلَيْه، فإنَّ قراءة مسار المراجعة يتطلب الوقوف على جملة المعطيات الآتية: أوَّلًا: ما تُشير إِلَيْه الإحصائيَّات من ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، حيثُ جاء على لسان وزير العمل في المؤتمر الصحفي للوزارة في الـ(17) من مارس 2025 أنَّ عدد الباحثين عن عمل في آخر التَّحديثات يصل إلى (100) ألف، بالإضافة إلى ما جاء في استعراض جهود وزارة العمل والَّتي أشارتْ إلى عدد العاملين والمُوظَّفين غير العُمانيِّين في القِطاع الحكومي في الوظائف الدَّائمة للجنسَيْنِ بلغ (21.651)، كما أنَّ إجمالي عدد العُمانيِّين بالعقود المؤقَّتة بالقِطاع الحكومي بلغ (4.274) مقارنةً بـ(3.516) للوافدين، وأنَّ إجمالي القوى العاملة الوافدة في القِطاع الخاصِّ بلغ (2.035.529) مقابل (265.467) للعُمانيِّين فقط، وأنَّ أكثر القوى الوافدة تتركز في فئة الأعمال التِّجاريَّة بإجمالي (1.651.425) وافد، كما أنَّ إجمالي عدد المُسرَّحِين العُمانيِّين من القِطاع الخاصِّ والمستفيدين من منفعة الأمان الوظيفي حتَّى نهاية عام 2024 بلغ (17.215) عُمانيًّا؛ هذا الأمْر يأتي في ظلِّ استمرار مسلسل التَّسريح للقوى العاملة الوطنيَّة، حيثُ بلغ إجمالي الَّذين تقدَّمتِ المنشآت لإنهاء خدماتهم بنهاية عام 2024 (5.402)، وبلغ عدد القوى العاملة الوطنيَّة الَّتي لم تلتزم (9) شركات بالإبقاء عَلَيْهم (423) مواطنًا، بالإضافة إلى ما ارتبط بزيادة أعداد القوى العاملة الوافدة من شكاوى حيثُ وصل عدد الشَّكاوى العمَّاليَّة المعتمدة إلى (36.114)، وبلغ عدد بلاغات ترك العمل المسجَّلة (12.694)، كما بلغ عدد القوى العاملة الوافدة المُخالِفة الَّتي تمَّ ضبطها (18.571)، كما أنَّ بقاء وجود الوافدين في وظائف دائمة في القِطاع الحكومي يطرح تساؤلات كثيرة حَوْلَ كفاءة خطط الإحلال في ظلِّ تمركزها في قِطاعات حيويَّة كالاتِّصالات وتقنيَّة المعلومات والصحَّة والتَّعليم والوظائف الطبيَّة والطبيَّة المساعدة والتَّدريس، وقد بلغ عدد المُعلِّمين الوافدين في عام 2023 في المدارس الحكوميَّة في التَّخصُّصات الاعتياديَّة أكثر من (7) آلاف مُعلِّم وافد وبنسبة بلغتْ (12.4%). ثانيًا: لقَدِ ارتبط باستمرار التَّسريح وارتفاع الباحثين وارتفاع القوى العاملة الوافدة تحدِّيات كبيرة باتَتْ تؤثِّر سلبًا على المنظومة المُجتمعيَّة بِرُمَّتها، بل امتدَّ تأثيرها على التَّركيبة السكَّانيَّة لسلطنة عُمان في ظلِّ ما أظهرتْه إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات من تراجع المواليد الجُدد في سلطنة عُمان من (71107) مواليد في عام 2023 إلى (69561) مولودًا في عام 2024 بانخفاض قدره (2.2%)، وسجَّل عام 2024 ولادة (61944) مولودًا عُمانيًّا مقارنةً بـ(64291) مولودًا عُمانيًّا خلال عام 2023 منخفضًا بنسبة (3.7%)، بَيْنَما ارتفع إجمالي المواليد للمُقِيمين في سلطنة عُمان، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنَّ مؤتمر الادِّعاء العامِّ في شهر فبراير لعام 2025 قدَّم بيانات صادمة بشأن اتِّساع الجرائم الاقتصاديَّة، حيثُ كشفَ عن ارتفاع جميع الجرائم الأكثر تسجيلًا في 2024 مقارنةً بعام 2023، فتصدَّرتْ جرائم الاحتيال بزيادة (67%)، حيثُ بلغ عدد جرائم الاحتيال بـ(3) آلاف و(202) قضيَّة. تلتها جرائم قانون العمل بنسبة (64%)، وجرائم إقامة الأجانب بنسبة (46%)، فيما ارتفعتْ جرائم الشيكات بنسبة (15%)، كما سجَّلتْ جرائم غسل الأموال والاختلاس ارتفاعًا ملحوظًا، حيثُ بلغ إجمالي قضايا غسل وتهريب الأموال (173) قضيَّة. وجاءتْ جرائم الشيكات في المرتبة الأُولى للجرائم الخمس الأكثر حدوثًا خلال العام الماضي بـ(8) آلاف و(461) قضيَّة. كما سجَّلتْ دائرة قضايا الأموال العامَّة وقضايا غسل الأموال في عام 2024 إجمالي (192) قضيَّة، مِنْها (33) قضيَّة جنائيَّة و(159) قضيَّة جنحيَّة، وتضمنتْ هذه القضايا ملفات تتعلق بشبكات الاحتيال الَّتي تُعدُّ جرائم أصليَّة مرتبطة بغسل الأموال، ممَّا يعكس التَّحدِّيات المستمرَّة في مكافحة الجرائم الماليَّة، وتعزيز الرَّقابة القانونيَّة على الأنشطة الاقتصاديَّة المشبوهة في استمرار تصدُّر الجرائم الواقعة على الأموال المشهد العُماني في السَّنوات الأخيرة؛ إلَّا أنَّ تصدُّر الجرائم المخالِفة للقوانين في المشهد الجرمي في سلطنة عُمان في عام 2024 من حيثُ حصولها على المرتبة الثَّانية إجمالًا في تصنيف الجرائم، يعكس خطورة هذا الملف الَّذي تتصدر فيه القوى العاملة الوافدة؛ باعتباره أحَد الهواجس الَّتي تعيشها سلطنة عُمان في ظلِّ ارتفاع أعداد الوافدين وبشكلٍ خاصٍّ الأيدي العاملة السَّائبة رغم الجهود الضبطيَّة المُتَّخذة في هذا الشَّأن، ويرتبط ذلك بجرائم قانون العمل وجرائم إقامة الأجانب، حيثُ بلغ عدد جرائم قانون العمل بـ(7) آلاف و(571) قضيَّة، ثمَّ جرائم قانون إقامة الأجانب بـ(6) آلاف و(263) قضيَّة، ويدخل فيه جرائم أخرى تمارسها الأيدي الوافدة تتعلق بقانون حماية المستهلِك بـ(3) آلاف و(340) قضيَّة. وفي السِّياق ذاته فإنَّ قراءة البُعد الأمني لتسريح العُمانيِّين من القِطاع الخاصِّ يأخذ في طيَّاته مؤشِّر الجرائم والجناة، وقَدْ أظهرتْ إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حَوْلَ الجناة والجرائم لعام 2021 أنَّ الفئة العمريَّة (18-39) سنَة هي الفئات الأكثر في عدد الجناة حيثُ شكَّلتْ ما نسبته (73%) من إجمالي الجناة، وشكَّل العُمانيون نسبة (49%) من إجمالي الجناة، وأنَّ (30%) من الجناة العُمانيِّين ارتكبوا الجرائم الواقعة على الأموال، وفي المقابل شكَّل الأحداث ممَّن هم دُونَ سنِّ الثَّامنة عشرة رقمًا صعبًا في السُّلوك الإجرامي بواقع (3.8%) من نسبة الجناة.

ثالثًا: حجم الهواجس والتَّراكمات النَّاتجة عن هذه الملفات في ظلِّ غياب التَّكامليَّة والمراجعة والتَّقييم المستمر للبرامج والخطط والتَّوَجُّهات الوطنيَّة وقياس الرَّجع النَّاتج عَنْها نظرًا لعدم وجود مراكز قياس وطنيَّة مُتخصِّصة لقياس مؤشِّرات الأداء الاقتصادي ومتطلبات سُوق العمل والوظائف والمهارات وقضايا الإحلال وكثرة التَّغييرات في القرارات والتَّوَجُّهات وتنفيذ المبادرات الَّتي قد تتقاطع سلبًا مع الحالة الوطنيَّة مثل أنماط العمل والعقود المؤقَّتة، ومحدوديَّة الدَّعم والحوافز الموَجَّهة للقِطاع الخاصِّ والأهلي أو كذلك مسألة تعقُّد الإجراءات وتطويل سلاسل العمليَّات الإداريَّة والبيروقراطيَّة وغيرها، في ظلِّ استمرار ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل؛ الأمْر الَّذي أصبحتْ في هذه الملفات ـ في ظلِّ قوَّة تأثيرها وحجم تداعياتها ـ تحظى باهتمام المواطن، وأصبحتْ مادَّة ثريَّة لمؤسَّسات الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيَّة وكتَّاب الأعمدة ومرَوِّجي الدِّعاية والإعلانات ومستخدمي المنصَّات الاجتماعيَّة وصنَّاع المحتوى الرَّقمي وغيرهم. ورغم أنَّ هذا الأمْر صحِّي جدًّا، إلَّا أنَّ المُشْكلة في الصورة الَّتي باتَ المُجتمع يُقيِّم فيها هذا المسار فما يطرحه كتَّاب الأعمدة أو غيرهم من قضايا مُجتمعيَّة تتعلق بتناول مؤشِّرات رؤية «عُمان 2040» التَّنمويَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والبرامج والخطط التَّنمويَّة والجهود الحكوميَّة السَّاعية نَحْوَ تعزيز الوضع المالي وخفض الدَّيْن العامِّ وعجز الموازنة وارتفاع الفائض والجهود الإصلاحيَّة الَّتي اتَّجهتْ إِلَيْها سلطنة عُمان في إطار خطَّة التَّوازن المالي وبرامج التَّشغيل والتَّنويع الاقتصادي والَّتي رغم أنَّها باتَتْ تحمل مؤشِّرات إيجابيَّة، يُمكِن أن تُعزِّزَ من الجهود الوطنيَّة في حلحلة هذه التَّحدِّيات، إلَّا أنَّها لم تَعُدْ تروق للمُجتمع الَّذي يعاني ويواجه تحدِّيات كبيرة في ظلِّ غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ورفع الدَّعم عن الخدمات وزيادة الرُّسوم الحكوميَّة وغيرها؛ لتأتيَ ردود المواطن بأنَّ هناك موضوعات وقضايا أهمَّ ممَّا يتمُّ طرحه وهي الباحثون عن عمل والمُسرَّحون والأيدي العاملة الوافدة واستدامة الوظائف والحوافز الوظيفيَّة وتداعيات قانون العمل وتراكماته السلبيَّة الَّتي أغرقتِ السُّوق بالاستثمار الوهمي والاحتكار والتِّجارة المُستترة وتغييب المنتج الوطني وسيطرة القوى العاملة الوافدة وتحكُّمها واستمرار الظَّواهر السَّلبيَّة والتَّشوُّهات الَّتي أثَّرتْ سلبًا على مسألة تنظيم سُوق العمل، على عكس ما تتوقعه المؤسَّسات وهي ثقافة مُجتمعيَّة باتَ لها انعكاساتها على مسار الولاء والانتماء وتحجيم الجهد الوطني، الأمْر الَّذي يضع مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة أمام مراجعات لأجندة العمل وتقوية مسار الشَّفافيَّة والحوار والثِّقة وتعظيم الهاجس المشترك والشُّعور الجمعي مع المواطن وفتح قنوات أصيلة للنَّقد البنَّاء والتَّنازل عن سلطويَّة وفردانيَّة الخِطاب في الوحدات الحكوميَّة.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]