في ظلِّ التَّطوُّرات الاقتصاديَّة المُتسارعة الَّتي يشهدُها العالَم، أصبح دعم المحتوى المحلِّي أحَد الأُسُس المُهِمَّة لبناء اقتصاد قوي ومستدام. وتسعَى سلطنة عُمان منذُ سنواتٍ لتحقيقِ هذا الهدف عَبْرَ تعزيز إنتاجاتها الوطنيَّة وتقوية قِطاعها الخاصِّ، واعتمدتْ ـ في سبيل تحقيق ذلك ـ على مجموعة من السِّياسات الَّتي تُسهم في تمكين الشَّركات العُمانيَّة والمصانع المحلِّيَّة، فدعمُ المحتوى المحلِّي لا يقتصر على توفير المنتَجات، بل يمتدُّ إلى دعم الاقتصاد بشكلٍ عامٍّ، وفتحِ المجال للابتكار والنُّمو، وهذه الخطوات تُسهم في خَلقِ فرص عمل حقيقيَّة للعُمانيِّين، وتُقلِّل الاعتماد على الواردات، ما يُعزِّز من مكانة عُمان الاقتصاديَّة في العالَم، وذلك من خلال استراتيجيَّات واضحة تدعم الصِّناعات المحلِّيَّة، حيثُ تتَّجِه عُمان نَحْوَ بناء اقتصاد مستقلٍّ وقادر على مواجهة تحدِّيات المستقبل.
ويُعَدُّ إطلاق منصَّة (ربط) من أبرز الجهود الَّتي قامتْ بها سلطنة عُمان لدعمِ المحتوى المحلِّي، فهذه المنصَّة الجديدة، الَّتي تُمثِّل نقلةً نَوعيَّة في كيفيَّة ربطِ الشَّركات العُمانيَّة بالمشتريات الحكوميَّة، ليسَتْ مجرَّد أداة تقنيَّة، بل هي جسرٌ يربط بَيْنَ القِطاع الخاصِّ والجهات الحكوميَّة، ما يُعزِّز من فرصِ الشَّركات المحلِّيَّة في المشاركة بالمناقصات الحكوميَّة، كما تُتيح هذه المنصَّة للشَّركات العُمانيَّة عرض منتَجاتها وخدماتها مباشرةً، بحيثُ تكُونُ لدَيْها الأولويَّة في الحصول على العقود الحكوميَّة، وهذا النَّوع من الدَّعم يُعزِّز الاستفادة من الإنتاج المحلِّي، ويُشجِّع على شراء المنتَجات العُمانيَّة بدلًا من الاستيراد، ما يُسهم في دعم النُّمو المحلِّي، علاوةً على ذلك توفِّر المنصَّة قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على أكثر من (5,000) منتَج محلِّي من (300) مصنع وشركة، وهو ما يعكسُ قدرةَ الشَّركاتِ العُمانيَّة على تلبيَّة احتياجات السُّوق المحلِّي.
ولا تقتصر جهود الحكومة العُمانيَّة على منصَّة (ربط) فقط، بل تتوسَّع لِتشملَ العديد من السِّياسات والمبادرات الَّتي تهدف إلى دعم المحتوى المحلِّي، ومن أهمِّ هذه السِّياسات، تخصيص جزء من المشاريع الحكوميَّة للمؤسَّسات العُمانيَّة، وبالأخصِّ المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة؛ لِضَمانْ أنْ تستفيدَ هذه المؤسَّسات من المشتريات الحكوميَّة بشكلٍ أكبر، فحكومة السَّلطنة تضعُ آليَّات تُحفِّز المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة لِتكُونَ جزءًا أساسًا من دَوْرة الاقتصاد الوطني، وهناك أيضًا جهود لدعمِ الابتكار من خلال برامج تمويليَّة خاصَّة، بالإضافة إلى تخصيص مِنح للمؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة، وتقديم تسهيلات لوجستيَّة تُسهم في تسريع عمليَّات الإنتاج والتَّوزيع، وكُلُّ هذه الخطوات تهدف إلى تقوية القِطاع الخاصِّ العُماني، وتعزيز قدراته التَّنافسيَّة على المستويَيْنِ المحلِّي والدّولي، فالدَّعم الحكومي لا يقتصر على مجرَّد توفير فرص العمل، بل يشمل أيضًا تسهيل العمليَّات ورفع مستوى الكفاءة في جميع القِطاعات.
إنَّ دعمَ المحتوى المحلِّي في سلطنة عُمان ليس مجرَّد رؤية اقتصاديَّة، بل هو استراتيجيَّة شاملة تهدف إلى تحقيق استدامة اقتصاديَّة بعيدة المدى، فمن خلال منصَّة (ربط) وغيرها من المبادرات الحكوميَّة، تتأكَّد السَّلطنة من أنَّها تُمهِّد الطَّريق لمستقبلٍ اقتصادي مُشرق ومستدام، فهذه المبادرات تساعد في تحقيق التَّنوُّع الاقتصادي وتُعزِّز من قدرة المؤسَّسات العُمانيَّة على الابتكار والتَّطوير، وكُلُّ خطوة نخطوها في هذا الاتِّجاه تزيد من قوَّة الاقتصاد الوطني وتُسهم في خَلقِ بيئةٍ اقتصاديَّة مزدهرة للمستقبل.. فعُمان اليوم أكثر من أيِّ وقتٍ مَضى، تَسير بخُطًى ثابتة نَحْوَ تحقيق رؤية «عُمان 2040» عَبْرَ تعزيز الصِّناعات المحلِّيَّة ودعم الابتكار، ما يجعلها في صدارة الدوَل الَّتي يُمكِن أنْ تفتخرَ باقتصادها الوطني المستقل، والَّتي تصنع مستقبلًا مُشرقًا.