أيها الأحباب.. ومع غزوة خيبر وأحداثها نعيش ما بقي منها، وقد توقف بنا الحديث عندما خرج محمد بن مسلمة لقتال اليهودي الملعون المسمى (مرحب) وقد (اندفع البطل بإيمان لا يتزعزع وبشجاعة يقرُّ له بها كل من عرفه، وصاول (مرحبًا) وجاوله، وكلما ظن أنه تمكن منه وجده قد راغ كما يروغ الثعلب، ودار كل من الفارسين حول صاحبه يريد أن يقتنص منه فرصة فيغتنمها، وكان المسلمون ينظرون إلى محمد بن مسلمة بإعجاب وثقة، وكان اليهود يضعون كل آمالهم في فارسهم هذا، ولاحت الفرصة لـ(مرحب) فانقضَّ على البطل المسلم وحمل عليه بسيفه وضربه به ضربة هائلة انحبست لها أنفاس المسلمين جميعًا، ولكن محمد بن مسلمة تلقاها بالدرقة، فنفذ نصل السيف فيها، وعضت عليه، ودون أن تأخذ ابن مسلمة المفاجأة انقض على غريمه فضربه بسيف فصرعه وهتف المسلمون بصوتٍ واحد:(الله أكبر)، وانسحب اليهود من ظهور أسوار خيبر، وقد ملأهم الرعب واليأس، خاصة بعد مصرع فارسهم (مرحب)، وعلى النقيض فقد دب الحماس والنشاط في جيش المسلمين، فشددوا من هجماتهم وغاراتهم على أسوار خيبر واستطاعوا أن يقتلوا عددًا من اليهود، وأسروا في هجمة من هجماتهم سيدًا من سادات اليهود رجلًا يُسمى (كنانة بن الربيع)، وأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بنى النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجل من يهود، فقال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك: أأقتلك؟ قال: نعم. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه، فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الزبير بن العوام، فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده) (الموسوعة القرآنية 1/ 229)، (فطلبه محمد بن مسلمة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليقتله بأخيه محمود، فاستجاب له رسول الله، فأخذه إلى ناحية من عسكر المسلمين وضرب عنقه، وتقديرًا من رسول الله لبطولات محمد بن مسلمة ناداه ذلك اليوم وأهداه سيفاً وقال له: يا محمد بن مسلمة، جاهد بهذا السيف في سبيل الله، فإذا رأيت المسلمين أقبل بعضهم على بعض فأت به أحدًا فاضربه به حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة) (فدائيون، مرجع سابق، ص: 95)، ومن الغريب في هذه المعركة ما روي عن أبي هريرة قال: شهدنا خيبر، فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وسلم) لرجل ممن معه يدَّعي الإسلام:(هذا من أهل النار، فلما حضر القتال، قاتل الرجل أشد القتال، حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة، فأهوى يده إلى كِنَانتِهِ، فاستخرج منها سهمًا، فنحر بها نفسَه، فاشتد رجال من المسلمين، فقالوا: يا رسول اللَّه! صَدَّق اللَّه حديثك، انتحر فلان قتل نفسه، قالا قم يا بلال فأذِّن ألا يدخل الجنَّةَ إلَّا مؤمن، إن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر)، وعن أَنس قال:(صلى النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ الصبح.. إلى أن قال: فقتل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ المُقَاتِلَة وسَبَى الذُّرُّيَّة، وكان في السَبْي صفية، فصارت إلى دِحْية الكلبي، ثم صارت إلى رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم)، فجعل عتقها صداقها، فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نَفْسَها فأعتقها) (اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه 3/ 348)، (فلما اطمأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، أعدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم، شاة مصلية ـ مشوية ـ، وقد سألت: أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، تناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء ابن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها، فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيًّا فسيخبر، فتجاوز عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومات بشر من أكلته التي أكل، وقدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم فتح خيبر جعفر بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ فقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين عينيه والتزمه وقال: ما أدرى بأيّهما أنا أسر: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ «الموسوعة القرآنية (1/ 230)». فالله أكبر.
محمود عدلي الشريف