بينما كنت أتجول في بانكوك، المدينة النابضة بالحياة، لحضور المؤتمر الدولي للروحانية وعلم النفس، لم تكن التجربة مقتصرة على الجلسات العلمية والنقاشات الفكرية، بل كانت رحلة استكشافية في عوالم السياحة والإبداع، حيث شاهدت كيف تدمج هذه المدينة الحديثة تراثها وثقافتها العميقة بأسلوب يجعلها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العالم.
على هامش المؤتمر، زرت الحدائق المائية وحديقة النباتات والسافانا، وخضت تجربة الرحلة النهرية الساحرة في نهر بانكوك. كانت تلك المحطات السياحية تعكس فلسفة متكاملة في صناعة الترفيه الثقافي، حيث لم تكن مجرد أماكن للترفيه، بل مساحات تنبض بالحكايات والأساطير، مجسدة بدمى متحركة ومجسمات ناطقة تأخذ الزائر إلى عوالم مختلفة من الماضي والحاضر والمستقبل.
وفي آخر محطة زرتها، حديقة السفاري، التي يزورها يوميًّا آلاف السياح، تساءلت عن سر نجاح هذا النموذج السياحي الذي يجذب الملايين، ويوفر آلاف الوظائف، ويحقق عائدات ضخمة. إنه مزيج من التخطيط الذكي، والاستثمار في التراث، والقدرة على تحويل الحكايات والأساطير إلى تجربة حية تجعل الزائر جزءًا منها، بدلًا من أن يكون مجرد متفرج.
عدتُ بذاكرتي إلى سلطنة عُمان، إلى محافظة ظفار تحديدًا، حيث قمت في عام 2022 بتوثيق أكثر من 36 حكاية وأسطورة شَعبية. كانت تلك الحكايات نابضة بالحياة، لكنها لا تزال حبيسة الكتب والمرويات الشفهية. واليوم، وأنا أقارن بين ما رأيته في بانكوك وما تمتلكه عُمان من كنوز ثقافية، أجد أننا نملك فرصة ذهبية لإحياء هذا الإرث بطريقة حديثة. لماذا لا يكون لدينا متحف تفاعلي في عُمان؟ متحف يعكس تاريخنا وثقافتنا، حيث تتجسد الحكايات الشَّعبية عبر مجسمات ووسائل تكنولوجية حديثة. لماذا لا نمتلك متنزَّهًا أسطوريًّا يعيد إحياء مروياتنا القديمة ويحولها إلى تجربة حية يتفاعل معها الزائر؟
يمكن أن تكون عُمان وجهة سياحية عالمية، حيث يلتقي فيها التراث بالتكنولوجيا، فتتحول الأساطير العُمانية إلى عروض مسرحية، وتجارب واقع افتراضي، وحدائق تفاعلية تروي قصص الماضي بأسلوب حديث. يمكن أن يصبح هذا المشروع منارةً تجذب السياح من كل أنحاء العالم، وتوفر فرص عمل للشباب، وتعزز الهُوِيَّة الثقافية العُمانية في سياق عالمي متجدِّد.
إنَّ ما شاهدتُه في بانكوك ليس مجرَّد نجاح سياحي، بل هو درس في كيفية صناعة التجربة السياحية وجعلها جزءًا من الهُوِيَّة الوطنية. واليوم، أمامنا فرصة لصياغة حكايتنا الخاصة، حيث تتحول سلطنة عُمان إلى رمز للاندماج بين التراث والتكنولوجيا، لتكون وجهةً فريدةً تسرد للعالم قصة ظفار وعُمان بأسلوب لم يسبق له مثيل. السياحة ليست مجرَّد اقتصاد، إنها حكاية وطن تنتظر أن تُكتب بأيدينا
د. أحمد علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية