الخميس 13 مارس 2025 م - 13 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

التطهير الداخلي «1»

الأربعاء - 12 مارس 2025 01:04 م

الإنسان الذي استطاع أن يتطهر من شهواته هو إنسان عبقري، لأن العبقري هو الذي استطاع أن يخرق حجاب المألوف، والذي يألفه الناس هو حب الشهوات (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَات)، فالعبقري يفكر بطريقة تختلف عن باقي الناس، من حيث التحليل والفهم والبعد المنطقي، فلا تغرّه عادة، ولا تهيمن على فكره فكرة متداولة دون تفحّص، ولا تتحكم ببوصلته رياح الأعراف المنتشرة.. فهو ليس بإمّعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساء الناس أساء.

وليست مبادئه سهلة حتى تصطادها شرائك الشيطان وأتباعه، فهو صعب المراس، ويتخذ قراره بعد عجن رصين وهضم جيد.. وهو بذلك كان في منعة من أن تتجاذبه شهوات النفس من حب السلطة، والغرور، وجمع الأموال، واحتطاب الفتن، وإيقاد المظالم.. وغيرها، فالعبقري هو من خرج بنفسه واستقل بعقله من المنطقة المألوفة المظلمة التي قال الله تعالى عنها وهو يصف حقيقة الدنيا:(وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيا إِلا مَتَاعُ الغُرُور)، ومنطلق تفكيره ذلك هو جانب خلقي، ولذلك تجد أن العارفين بالله يقولون:(إن أهم شرط في العارف هو خرق العوائد (أي: العادات)، وإنّ أهم صفة في الإنسان أن يقاوم ما يحب ويتحمل ما يكره). فبهذا الشرط يستطيع العبقري أن يكسر الشرنقة المحيطة به التي نسج جدارها بالغواشي والفجور والملمات.. فخرج العبقري متحررًّا من بين المحبوسين ونفض جناحيه بكل فخر، وحلّق بهما في السماء الرحبة وطاف على الحدائق وارتشف الرحائق، فهو الذي اختار التقوى وجانب الفجور من النجدين (وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاها فَأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقوَاها)، وأخذ كتاب عبقريته بيد يحيى فحيَّا كريمًا واستحيا وأحيا، ومن طبع الشهوة أنها تكبّل العقل وتذيب الحس وتطمر مرتشفها من مزن الغفلة.. وكل ذلك لا يتجاوزه إلا العبقري الثائر دوما لشرف فكره، فنتدارس معا هذا العبقري الطاهر لنأخذ وسام الشرف الذي ناله بجدارة.

مفهوم تزكية النفس: ليس المقصود بالتزكية هو مدح الإنسان لنفسه على أنه طاهر ومتقي فيستحيل عليه الوقوع في الخطأ، قال المولى عزوجل:(فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) فهذا بحد ذاته غرور، وإنما (المقصود بالتزكية هو تطهير النفس من الشرك وما يتفرع عنه، وتحقيقها بالتوحيد وما يتفرع عنه، وتخلقها بأسماء الله الحسنى، مع العبودية الكاملة لله بالتحرر من دعوى الربوبية، وكل ذلك من خلال الاقتداء برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم) (تعريف الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين).

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق الهلال ـ نفعاء)