•أن تظلَّ الإدارة محركًا لاستنفاري الذِّهني المتواصل، فلأنِّي عايشتُ خلال أكثر من نصف قرن نماذج بَشَريَّة إداريَّة ضيَّعتْ على نَفْسها وعلى محيطها العديد من فرص الاستدامة الإنجازيَّة بذرائع لا ترتقي إلى مستوى الإقناع المنطقي المقبول، وقد أورثتني تشخيصاتي لتلك الضياعات خصومات البعض.
إجمالًا، كُلُّ عمل يُصاب بالخلَل تكُونُ للإدارة حصَّة في التَّسبُّب به حتَّى لو كان سبَب الخلَل من خارج منظومة العمل نَفْسه، إذا تمَّ إهمال الترقُّب والتَّوقُّع، العنصران الجوهريَّان اللَّذان ينبغي حضورهما في الذِّهن، وإذا كنتُ قَدْ كتبتُ في العديد من العناوين الَّتي تخصُّ ذلك، لفَتَ نظري مؤخرًا شكوى من مستشار أحَد المسؤولين السِّياسيِّين العراقيِّين..
•لقَدْ كنتُ على صداقة مع الرَّجُل قَبل أن يتولَّى تلك المسؤوليَّة الاستشاريَّة، ولم تبقَ بَيْنَنا من صلة هذه الأيَّام سوى الاتِّصالات الهاتفيَّة المتباعدة، وصادفَ أنَّنا التقَيْنا فأخبرني، أنَّه على نيَّة قويَّة لتركِ موقعه الوظيفي، وأنَّه يفتِّش عن خطوة آمِنة لكَيْ لا يتسبَّبَ بأيِّ موقفٍ محرجٍ. مضيفًا أنَّ اليأس تسلَّل إِلَيْه قاطعًا الفرصة من حصول متغير ما، وكأنِّي به يقول (مكرهًا أخاك لا بطل).
•ألمحَ لي أنَّه يتعرَّض لضغوطٍ إجرائيَّة بسبب الوسوسة المُزمنة والمتجذِّرة الَّتي تساوِر ذلك المسؤول، فعِندَ توجُّهه لاتِّخاذ أيِّ إجراء يظلُّ يَدُور في فَلَك تلك الوسوسة، الأمْرُ الَّذي يُربك العمل. ويضيف صديقي (على سبيل المثال لا الحصر، أتداول معه بشأن قضيَّة، قناعاتي الاستشاريَّة تؤكِّد أنَّها لا تحتمل التَّأجيل، وبعد مداولات مطولة معه يقول اتركْها الآن ويغلق الملف إلى أجلٍ غير مُسمًّى). وأكَّد قائلًا: (الوسوسة تتكرر أيضًا عِنَد إعداد المخاطبات الرَّسميَّة الصَّادرة عن مكتبهِ، أو الإجابة على مخاطبات تردُ إلى مكتبه، إنَّ أيَّ كِتاب رسمي لا يرَى النُّور في التَّوقيع النِّهائي إلَّا بعد أن يكُونَ قد بُدِّل النَّص أكثر من ثلاثٍ إلى أربع مرَّات على الأقلِّ. ولكَ أن تتصوَّرَ الجهد والشَّدَّ الَّذي يرافق ذلك). قلتُ له رُبَّما يريد أن يصدرَ عَنْه ما يؤكِّد نسبة عالية من النُّضج والوضوح فما الضَّير في ذلك؟ لا، قال لي، (الأمر طبيعي لو أنَّ المواقف عِندَ هذا الحدِّ، بل لأنَّه يستخدم فرضيَّة الاحتمالات بحسٍّ قهريٍ إلى حدِّ الخوف المَرضي الَّذي لا يُبقي للحسمِ فرصته. الخلاصة لم نُحقِّقْ حتَّى الآن إلَّا الرَّتابة في التَّعاطي مع الواقع، هناك خشية متأصِّلة لدَيْه يُحرِّكها توقُّع، أن تُثارَ بوجْهِه انتقادات غير قادر على احتوائها).
•لا شكَّ أنَّ القلق الوظيفي العامَّ أمْر مشروع، لكنَّه حين يتجاوز حدوده يتحول إلى إحباط وعائق للخطوات الطبيعيَّة الَّتي تقتضيها حركة العمل، وإلَّا كيف يتلاءم ذلك مع عالَم يَقُومُ على (المواقتة) تحت طائلة دقائق في بعض الأحيان.
•ولا شكَّ أيضًا، أنَّ التَّأني صفة إنسانيَّة حميدة، لكنَّها حين تخرج عن مجالها الزَّمن الطبيعي تُلحق ضررًا بليغًا يتساوى مع الضَّرر الَّذي تتسبَّب به العجالة، أي المسارعة غير المحسوبة.
•بلا رَيْبٍ، المُشْكلة تكمن في التَّجاذب غير العادل بَيْنَ هذيْنِ النَّقيضَيْنِ التَّأني والعجالة وعِندَها تضيع العديد من الفُرص.
•لقَدْ باتَ عالَم اليوم ذا (طبيعة نزاعيَّة) على وفق تشخيص الفيلسوف وعالِم الاجتماع الفرنسي إدجار روان، ولذلك يقتضي الأمْر المسارعة والحسم وليس الدُّخول في انتظارات قَدْ تتحول مع تجذُّرها إلى نَوعٍ من التَّسيُّب وليس (الطَّبخ على نارٍ هادئةٍ).
•إنَّ من المعادلات الوظيفيَّة النَّاجحة، التَّبصُّر بالأمْر والمشاورة، والانتظام في الاستعداد للخطوةِ المقبلة دُونَ أيِّ إهمال، وإزاء ذلك يبقَى التَّوقيت المُناسب مفتاح التَّحرُّك.
عادل سعد
كاتب عراقي