إنْ صَحَّتِ المعلومات المُتسربة خلال الأيَّام الأخيرة عن حوارات أو لقاءات عمل، جرتْ في العاصمة القطريَّة الدوحة بَيْنَ طرفٍ من الإدارة الأميركيَّة، بقيادة المبعوث الخاصِّ لشؤون «الرَّهائن» (آدم بولر)، ومن حركة حماس (موسى أبو مرزوق وعزَّت الرَّشق عضوَي المكتب السِّياسي)، فهذا الأمْر إيجابي من الجانبَيْنِ الآتيَيْنِ: أوَّلهما أنَّه يَدُلُّ في جانب مِنْه على الإقرار الأميركي بالواقع. وثانيهما يَدُلُّ بشكلٍ قاطع بأنَّ واشنطن باتتْ تُفضِّل الدُّخول مباشرةً في الحوار مع حركة حماس وترك نتنياهو خارج الحلبة السِّياسيَّة اليوميَّة في ظلِّ ما قام ويَقُومُ به من تعطيلٍ لتطبيقِ تفاهمات ما تمَّ التَّوَصُّل إِلَيْه من وقفِ إطلاق النَّار و»صفقة التَّبادل»..إلخ الَّتي كانتْ واشنطن مَنْ رعَتْها، إضافةً لمصر وقطر وفرنسا. ففي تطوُّر يُمثِّل نقلةً نَوعيَّة لوقفِ إطلاق النَّار بشكلٍ دائم في قِطاع غزَّة ومناطق الضفَّة الغربيَّة، كشفتْ إدارة الرَّئيس الأميركي عن بدءِ مفاوضات مباشرة مع حركة حماس في قطر؛ بهدف التَّوَصُّل إلى اتِّفاق يُصار بموجبه إلى إطلاق سراح أسرَى أميركيِّين ما زالوا محتجزين في القِطاع. ووفق التَّقارير الغربيَّة، فإنَّ هذه الخطوة غير المتوقَّعة، توسَّعتْ لِتشملَ مناقشات حَوْلَ تسوية قَدْ تتضمَّن الإفراج عن جميع الأسرَى، في مقابل هدنة طويلة الأمَد في غزَّة.
إنَّ معلومات الحوار بَيْنَ واشنطن وحركة حماس وما تسرَّب مِنْه، ومع الفارق بَيْنَ مرحلتَيْنِ والمعطيات الزَّمنيَّة أواخر ثمانينيَّات القرن الماضي يُشبه إلى حدٍّ ما الاعتراف الأميركي بمنظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة الَّذي بدأ بقنوات غير مرئيَّة لِيصبحَ مُعلنًا في أُولى جلساته في تونس وآخر العام 1989، وقَدْ رأَس الوفد الأميركي (روبرت بيلليترو). صحيح، أنَّ المنطق يقول أن تمرَّ كُلُّ الأمور من الجانب الفلسطيني يَجِبُ أن يمرَّ من قِبل الجهات الرَّسميَّة الشَّرعيَّة ـ ومشاركة باقي القوى، لكنَّ الجوهر هنا أنَّ واشنطن يبدو أنَّ بعض متنفِّذيها باتوا يرَوْنَ أنَّ المصلحة الأميركيَّة عدَم تركِ الأمور على «غاربها» لنتنياهو، الَّذي يسرح ويمرح بألاعيبه السِّياسيَّة، ليس بشأن قِطاع غزَّة فقط، بل بشأن كُلِّ الأرض المُحتلَّة، أرض دَولة فلسطين. وفي وقتٍ تراجعتْ فيه أيضًا حدَّة الأصوات، وحتَّى تكادَ تنتهي، والَّتي كانتْ تقول بـ»تهجير أبناء قِطاع غزَّة»، وحتَّى الرَّئيس دونالد ترامب توقَّف عن الإدلاء بأيِّ موقفٍ بهذا الشَّأن وتراجعَ عن مقولات ريفييرا وجرينلاند لتهجير مواطني قِطاع غزَّة. المُهمُّ هنا، أيضًا، أنَّ المعلومات الَّتي تمَّ تسريبها من مصادر موثوقة جدًّا، أشارتْ إلى أنَّ الولايات المُتَّحدة لم تنسِّقْ مع «إسرائيل» في أمْر الاتِّصالات مع حركة حماس. في وقتٍ أشارتِ المصادر ذاتها إلى أنَّ حركة حماس ومع حركة الجهاد الإسلامي في هذا الميدان، عَبَّرَتْ عن «استعدادها لإطلاق سراح جميع الأسرَى، مقابل ضمانات أميركيَّة بتقدُّم المفاوضات إلى المرحلة الثَّانية من اتِّفاق وقفِ إطلاق النَّار، وتحقيق هدنة طويلة الأمد». والجدير ذِكره، هنا، أنَّ إدارة الرَّئيس الأميركي السَّابق (جو بايدن) كانتْ قَدْ منحتْ «إذنًا خاصًّا» لمفاوِضِين أميركيِّين، بالاجتماع مع مسؤولين في حركة حماس في الدوحة، لكنَّها لم تتمَّ بسبب لُعبة المزايدات الَّتي كانتْ سائدةً قُبَيل الانتخابات الأميركيَّة الرئاسيَّة الأخيرة وخشية الرَّئيس (جو بايدن) من تأثيرها على أصوات الديمقراطيِّين (الَّذين هُزموا بالانتخابات على كُلِّ حال وصعدَ ترامب).
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك